بِالْقُرْبِ فَيُرِيهِمْ مِنْ طَرِيقِ الشُّعْبَذَةِ أَنَّهُ يُكَلِّمُهُ وَ يُنَاجِيهِ وَ يَدْنُو مِنْهُ كَأَنَّهُ يَسَارُّهُ، ثُمَّ يَغْمِزُهُمْ أَنْ يَتَنَحَّوْا فَيَتَنَحَّوْنَ، وَ يُسْبِلُ السِّتْرَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُمْ فَلَا يَرَوْنَ شَيْئاً.
وَ كَانَتْ مَعَهُ أَشْيَاءُ عَجِيبَةً مِنْ صُنُوفِ الشُّعْبَذَةِ مَا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهَا، فَهَلَكُوا بِهَا، فَكَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ مُدَّةً، حَتَّى رُفِعَ خَبَرُهُ إِلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ أَحْسَبُهُ هَارُونَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ وَ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ، فَأَخَذَهُ وَ أَرَادَ ضَرْبَ عُنُقِهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَبْقِنِي فَإِنِّي أَتَّخِذُ لَكَ أَشْيَاءَ يَرْغَبُ الْمُلُوكُ فِيهَا! فَأَطْلَقَهُ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ لَهُ الدَّوَالِيَ، فَإِنَّهُ عَمَدَ إِلَى الدَّوَالِي فَسَوَّاهَا وَ عَلَّقَهَا وَ جَعَلَ الزِّيْبَقَ بَيْنَ تِلْكَ الْأَلْوَاحِ، فَكَانَتْ الدَّوَالِي تَمْتَلِي مِنَ الْمَاءِ وَ تُمِيلُ[1] الْأَلْوَاحَ وَ يَنْقَلِبُ الزِّيْبَقُ مِنْ تِلْكَ الْأَلْوَاحِ فَيَتْبَعُ[2] الدَّوَالِي لِهَذَا، فَكَانَتْ تَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ مُسْتَعْمِلٍ لَهَا وَ تُصَبُّ الْمَاءُ فِي الْبُسْتَانِ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ مَعَ أَشْيَاءَ عَمِلَهَا، يُضَاهِي اللَّهَ بِهَا فِي خَلْقِهِ الْجَنَّةَ، فَقَوَّاهُ[3] وَ جَعَلَ لَهُ مَرْتَبَةً، ثُمَّ إِنَّهُ يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ انْكَسَرَ بَعْضُ تِلْكَ الْأَلْوَاحُ فَخَرَجَ مِنْهَا الزِّيْبَقُ، فَتَعَطَّلَتْ فَاسْتَرَابَ أَمْرُهُ وَ ظَهَرَ عَلَيْهِ التَّعْطِيلُ وَ الْإِبَاحَاتِ.
وَ قَدْ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) يَدْعُوَانِ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَ يَسْأَلَانِهِ أَنْ يُذِيقَهُ حَرَّ الْحَدِيدِ! فَأَذَاقَهُ اللَّهُ حَرَّ الْحَدِيدِ بَعْدَ أَنْ عُذِّبَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَ حَدَّثَ بِهَذِهِ الْحِكَايَةِ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْعُبَيْدِيُّ، رِوَايَةً
[1]- و تمتلى- خ.
[2]- فيتّسع- خ.
[3]- فقرّ به- خ.