أَسْتَأْذِنَ لَهُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) ثَالِثاً، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَاسْتَأْذَنْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) لِيَنْتَظِرْنِي فِي مَوْضِعٍ سَمَّاهُ بِالْحِيرَةِ لِأَلْتَقِيَ مَعَهُ فِيهِ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا رَاحَ إِلَيْهَا[1] وَ قَالَ عُمَرُ: فَخَرَجْتُ إِلَى هِشَامٍ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَقَالَتِهِ وَ أَمْرِهِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ هِشَامٌ وَ اسْتَبْشَرَ وَ سَبَقَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَمَّاهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ هِشَاماً بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ عَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَبَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ سَمَّاهُ لَهُ فَبَيْنَا هُوَ، إِذَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَدْ أَقْبَلَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، فَلَمَّا بَصُرْتُ بِهِ وَ قَرُبَ مِنِّي، هَالَنِي مَنْظَرُهُ وَ أَرْعَبَنِي حَتَّى بَقِيتُ لَا أَجِدُ شَيْئاً أَتَفَوَّهُ بِهِ وَ لَا انْطَلَقَ لِسَانِي لَمَّا أَرَدْتُ مِنْ مُنَاطَقَتِهِ، وَ وَقَفَ عَلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) مَلِيّاً يَنْتَظِرُ مَا أُكَلِّمُهُ، وَ كَانَ وُقُوفُهُ عَلَيَّ لَا يَزِيدُنِي إِلَّا تَهَيُّباً وَ تَحَيُّراً، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنِّي: ضَرَبَ بَغْلَتَهُ وَ سَارَ حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ السِّكَكِ فِي الْحِيرَةِ، وَ تَيَقَّنْتُ أَنَّ مَا أَصَابَنِي مِنْ هَيْبَتِهِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ عِظَمِ مَوقِعِهِ وَ مَكَانِهِ مِنَ الرَّبِّ الْجَلِيلِ، قَالَ عُمَرُ: فَانْصَرَفَ هِشَامٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) وَ تَرَكَ مَذْهَبَهُ وَ دَانَ بِدَيْنِ الْحَقِّ، وَ فَاقَ أَصْحَابَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) كُلَّهُمْ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
قَالَ: فَاعْتَلَّ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ عِلَّتَهُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا، فَامْتَنَعَ مِنَ الِاسْتِعَانَةِ بِالْأَطِبَّاءِ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُمْ[2] إِلَيْهِ، فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَطِبَّاءِ، فَكَانَ إِذَا دَخَلَ الطَّبِيبُ عَلَيْهِ وَ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ: سَأَلَهُ فَقَالَ يَا هَذَا هَلْ وَقَفْتَ عَلَى عِلَّتِي فَمِنْ بَيْنِ قَائِلٍ يَقُولُ لَا وَ بَيْنَ قَائِلٍ يَقُولُ نَعَمْ، فَإِنِ
[1]- النهار- خ.
[2]- فجاء و أبهم- خ.