ومع ذلك فيدفعه
: ما في الرواية من التصريح بما يوجب خروج الحمامة وما دونه إلى العصفور عن هذا
الحكم ، فإنّ فيها : « وما سوى ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكثره
الإنسان ينزح منها سبعون دلوا ، وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد ، وما سوى ذلك
فيما بين هذين » [١].
فإنّ المراد
بأكثره إمّا الأكثريّة في الجثّة والمقدار كما يؤيّده ما في بعض نسخ الرواية من
التعبير بأكبره ، أو أكثريّة المنزوح كما يناسبه التعبير عمّا يقابله بالأقلّ في
كلتا النسختين ، وعلى التقديرين فمرجع اسم الإشارة الثانية إمّا أحد الأمرين من «
الإنسان » و « العصفور » كما هو الظاهر ، أو خصوص « العصفور » ، وعلى التقديرين
فالحكم عليه بكونه فيما بين هذين ، مع ظهور المثنّى في التقديرين المذكورين في
الرواية من السبعين والواحد ، مخرج لما عدا الحمامة ممّا فوقها إلى الإنسان وما
تحتها إلى العصفور عن هذين الحكمين.
وقضيّة ذلك عدم
بلوغ مقدّره في الكثرة إلى السبعين ولا في القلّة إلى الواحد ، وهو أمر مجمل
يستفصل من الروايات ، ومع ذلك فكيف يفسّر به « العصفور » حيث أنّه ليس بمعناه
الموضوع له على ما يشهد به العرف ونصّ عليه أئمّة اللغة ، ولا أنّ في المقام قرينة
قاضية بإرادة ذلك في الرواية ، والعجب عن المحقّق الميسي في حاشية الشرائع [٢] حيث أنّه فسّر
« شبهه » أوّلا بما يشبهه في حجمه ، ثمّ قال : « وهو ما دون الحمامة » ، ولا ريب
أنّ بين الحمامة والعصفور وسائط كثيرة.
وبملاحظة ما
ذكرناه يشكل التعدّي عن العصفور إلى ما يشبهه في الجثّة والمقدار أيضا كما اعترف
به جماعة ، ومنعوه تعليلا بأنّ النصّ مخصوص بالعصفور ، فإنّ ذلك إنّما يصحّ لو
جعلنا المراد بالأكثر الأكثريّة في الجثّة والمقدار المستلزمة لكون المراد بالأقلّ
الأقلّيّة فيهما أيضا ، نظرا إلى أنّ الرواية في صدد التعرّض لحصر أصناف الحيوانات
في الثلاثة ، فلو لم يكن المراد بالعصفور ما يعمّ المتساويات في الجثّة والمقدار
بطل الحصر المقصود ، فتأمّل.