ثمَّ لا يخفى أنّ
ما ذكرنا ـ من عدم جواز الجمعة في زمان الغيبة وحرمتها ـ إنّما هو إذا فعلت بدلا
عن الظهر ، وأمّا بدون ذلك فهل يجوز فعلها أم لا؟.
صريح النافين
لمطلق وجوبها : الثاني ؛ إذ عدم جوازها بدلا ليس إلاّ لعدم ثبوت توقيفها وتشريعها
بدون الشرط ، فإنّ الجمعة الموقّفة هي التي تكون بدلا عن الظهر ، فتنتفي بانتفاء
البدلية قطعا ، والعبادة إذا لم تكن موقّفة مشروعة كانت محرّمة ، لكونها تشريعا
وإدخالا في الدين.
أقول : من الأمور الضرورية الثابتة بالأخبار المتواترة المنضمّة بالإجماع
والاعتبار : مشروعية الاحتياط ، وثبوته ندبا من الشارع ، وتعلق التوقيف به.
ويلزمه كون كلّ ما
كان من أفراد الاحتياط مشروعا ندبا موقّفا ، ولا شكّ أنّ الإتيان بالجمعة مع الظهر
من أفراد الاحتياط ؛ لكونها مبرئة للذمّة قطعا ، وليس الاحتياط إلاّ ذلك ، فتثبت
مشروعيّتها ندبا من الاحتياط ، فتكون بهذا القصد جائزة ومستحبة.
فإن
قيل : فعلها أيضا يحتمل
التشريع ، فيكون حراما ، فلا يكون موافقا للاحتياط.
قلنا
: التشريع فعل شيء
لم يثبت من الشرع ، وفعلها مع الظهر بهذا القصد ثابت بأدلّة الاحتياط ، فلا يكون
تشريعا ، كما في سائر موارد الاحتياط ، فإنّها أيضا غير ثابتة من الشرع بخصوصها ،
وإلاّ لم يكن احتياطا ، وثبوتها واستحبابها إنّما هو بمجرّد أدلّة الاحتياط.
والتوضيح : أنّ العبادة التي لم تثبت بخصوصها لا يمكن أن تفعل بقصد
أنّها عبادة ثابتة بخصوصها ؛ لأنّ القصد ليس أمرا اختياريا ، فما لم تثبت لا يمكن
ذلك القصد.