و يظهر من المحكيّ عن الشهيد في قواعده [1]: أنّ النجاسة حكم الشارع بوجوب الاجتناب استقذاراً و استنفاراً. و ظاهر هذا الكلام أنّ النجاسة عين الحكم بوجوب الاجتناب، و ليس كذلك قطعاً؛ لأنّ النجاسة مما يتّصف به الأجسام، فلا دخل له في الأحكام، فالظاهر أنّ مراده أنّها صفة انتزاعيّة من حكم الشارع بوجوب الاجتناب للاستقذار أو الاستنفار.
و فيه: أنّ المستفاد من الكتاب و السنّة أنّ النجاسة صفة متأصّلة يتفرّع عليها تلك الأحكام، و هي القذارة التي ذكرناها، لا أنّها صفة منتزعة من أحكام تكليفيّة نظير الأحكام الوضعيّة المنتزعة منها كالشرطيّة و السببيّة و المانعيّة.
ثمّ دعوى أنّ حكم الشارع بنجاسة الخمر لأجل التوصّل إلى الفرار عنها و لتزيد نفرة الطباع عنها ليست بأولى من دعوى أنّ حكمه بوجوب التنفّر عنها لأجل قذارة خاصّة فيها، إلّا أن تكون دعوى الشهيد (قدّس سرّه) فيما ذكره مستندة إلى ما يظهر من أدلّة تحريم الخمر: من أنّ العلّة فيه هو تخمير العقل، لكنّك خبير بأنّه لا ينافي كون التخمير مستنداً إلى تلك القذارة، كما يومي إليه قوله (عليه السلام) في صفة الخمر: «ما يبلّ الميل منه ينجس حُبّاً من الماء» [2].
و كيف كان، فالمراد بالمصدر في قوله: (النجاسات عشرة): الأعيان النجسة، مبالغة في نجاسة عينها، كما في قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ[3].