قلت: أي مشقة في ترك الصغائر؟ فإن كل مؤمن
متشرع ملتفت إلى الأحكام يمكنه الترك بلا عسر و لا حرج، فما ذكره غير واضح عندنا.
نعم الدليل ما ذكره في الجواهر من أن الصغيرة بلا إصرار مكفرة
باجتناب الكبائر، فلا حاجة حينئذ إلى التوبة، و به يتضح الجواب عن دليل القول
الثاني.
قال المحقق: (و ربما توهم و أهم أن الصغائر لا تطلق على الذنب الا
مع الإحباط، و هذا بالاعراض عنه حقيق فإن إطلاقها بالنسبة، و لكل فريق اصطلاح) أقول: قد أشرنا إلى انقسام المعاصي إلى كبائر و صغائر، كما دلت عليه
الايات و الاخبار، و أن الأشهر هو القول بأن الكبيرة ما أوعد اللّه عليه النار، و
تقابلها الصغيرة. و ذهب جماعة الى أن الذنوب كلها كبيرة، الا أن بعضها أكبر من
بعض، و ليس في الذنوب صغيرة، و انما يكون صغيرا بالإضافة الى ما هو أكبر.
و أشار هنا الى أن من الأصحاب من قال بأن الصغائر لا يطلق على الذنوب
الا على مذهب القائلين بالإحباط، قال: و هذا و هم، لأن الكبائر قد اعتبرها من قال
بالإحباط، و من أبطله و هم الإمامية، كما عرفت [1].
______________________________
[1] قال الشيخ المفيد: «لا تحابط بين المعاصي و الطاعات، و لا
الثواب و العقاب» و في التجريد: «الإحباط باطل لاستلزامه الظلم، و لقوله تعالى:
«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ.» قال العلّامة في شرحه: «اختلف الناس هنا فقال جماعة من المعتزلة
بالإحباط و التكفير، و معناهما أن المكلف يسقط ثوابه المتقدم بالمعصية المتأخرة،
أو يكفر ذنوبه المتقدمة بالطاعة المتأخرة و نفاهما المحققون ثم القائلون بهما
اختلفوا، فقال أبو علي: ان المتأخر يسقط المتقدم و يبقى على حاله. و قال أبو هاشم:
أنه ينتفي الأقل بالأكثر، و ينتفي من الأكثر بالأقل ما ساواه