و ثانيهما: البعد الاجتماعي الذي جاءت الشريعة الإسلامية لبيان أحكامه و حل مشكلاته، و الذي يلقي بضوئه لفهم هذه النصوص من خلال قانون مناسبات الحكم و الموضوع.
و هذا العمل ضرورة مهمة في عملية الاستنباط حيث انها تشخص الحكم الشرعي للموضوعات و القضايا التي يواجهها الإنسان في حياته يستند فيه الفقيه إلى الأدلة الشرعية، و كل منهما لا يمكن أن يؤخذ كعملية تجريدية فرضية فحسب، بل الأحكام الشرعية بالأصل و بحسب و ورودها جاءت كمعالجة لهذه القضايا الحية، و ان لم يكن الحكم مقيدا بها في مدلوله كقضية خاصة خارجية، و لكنها بطبيعة الحال تلقي بخصوصياتها و ظروفها على مضامين النصوص و القواعد الواردة بشأنها- كما هو واضح.
كما ان إرجاع الأئمة إلى الفقهاء انما هي لمعالجة هذه القضايا على ضوء ما ورد في الكتاب الكريم و السنة الشريفة خصوصا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الدور الذي لا بد للمجتهد أن يقوم به أيضا و بعد تشخيص الأوامر التفصيلية في موارد الولاية: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه» [1].
بل ان عملية الاستنباط الفعلي هي عملية الاستنطاق الكتاب الكريم و السنة الشريفة انطلاقا من الحوادث و القضايا ثم الرجوع إليها في تطبيق الحكم الشرعي.
و الخلاصة ان عملية الاستنباط انما هي عملية تشخيص الحكم للموضوع بعد تحديده و تشخيصه، و لا شك ان المعايشة الحياتية للحوادث لها دور كبير في تشخيص الموضوعات و تحديدها و فهم طبيعة الحكم المناسب المستفاد من الأدلة.
لعل هذا الفهم لعملية الاستنباط هو الذي جعل الإمام الحكيم يهتم بقضية
[1] جاء ذلك في التوقيع المروي بطريق معتبر عن الإمام الحجة (عجّل اللّه فرجه الشريف).