هذا كله بعد تسليم
حرمة الأكل بمعنى المضغ والازدراد ، أما لو قلنا إن المحرم نفس التناول خاصة حتى
في مثل الأكل والشرب تنزيلا للنهي عنهما على إرادة الاستعمال ، ضرورة عدم الفرق
بينهما وبين غيرهما من أنواع الاستعمال فلا وجه لتصور الحرمة حينئذ في نفس المأكول
والمشروب ، بل هذا هو ظاهر الأصحاب كما يومي اليه حكمهم بصحة الطهارة من الآنية مع
التمكن من ماء غيره ، كالإناء المغصوب من غير خلاف يعرف فيه بينهم بل ظاهر معتبر
المصنف حيث نسب الخلاف فيه لبعض الحنابلة الإجماع عليه ، معللين ذلك بأن المحرم
الانتزاع ، وهو أمر خارج عن الطهارة ، كما لو جعلت مصبا لماء الطهارة.
نعم جعل في
المنتهى البطلان وجها معللا له بما يقضي بإرادته ما لو انحصر الماء في الآنية ،
فيكون البطلان حينئذ لعدم تصور الأمر بالطهارة بعد توقفها على المقدمة المحرمة ،
فيكون فرضه حينئذ التيمم ، لأن المنع الشرعي كالعقلي ، وهو أمر غير ما نحن فيه ،
ومن هنا استجوده في المدارك وتبعه في الذخيرة ، وهو لا يخلو من وجه ، لكن ينبغي
تقييده مع ذلك بما إذا لم يتمكن من إفراغ ذلك الماء في آنية أخرى مثلا ، وإلا كان
كالمتمكن من الماء الآخر ، بل في كشف اللثام التردد في أصل حرمة الاغتراف منها
للطهارة أو صب ما فيها على الأعضاء ، لأنهما من الإفراغ الذي لا دليل على حرمته
وإن أمكن منعه عليه ، ضرورة عدم اندراجه في الإفراغ ، إذ ليس هو كل نقل ، كضرورة
اندراجه في الاستعمال ، بل لو كان قد قصد الإفراغ أيضا لكن بالاستعمال الخاص لم
ترتفع الحرمة ، وإلا لحل كثير من وجوه الانتفاع بل جميعها لذلك ، بل التحقيق أن
الأكل والطهارة ونحوهما من الآنية استعمال لها بنفس أفعال الطهارة وبالمضغ
والازدراد لا مجرد النقل ، كما يشهد لذلك ملاحظة العرف.
ومن هنا حكم
العلامتان في المنظومة والكشف بفساد الطهارة ، بل صرح الثاني