له أصل مال ولو
بكون الدعوى كذلك ، فلا بد لهذا المال الثابت ظاهرا من أمر يدفعه ، فإذا شهدوا
بتلف أمواله التي يطلعون عليها فقد علم الانتقال عن ذلك الأصل الباقي في المال ،
وإن أمكن بقاء بعضه ، إلا أنه غير معلوم ، والتكليف إنما هو بالظاهر ، بخلاف ما إذ
اشهدوا بإعساره ، فإن المراد أنهم لم يطلعوا على ماله ، وهذا لا يدفع ذلك الأصل
الذي هو بقاء المال السابق بوجه ، فلا بد مع ذلك من الخبرة الباطنة والعشرة
المتأكدة ليحصل الظن بتلف ذلك المال ، وانما يحصل بذلك.
فظهر الفرق بين
الحالين ، وتوجه به ما اختاروه من ثبوت اليمين في الأول دون الثاني ، لأن الأول لا
يدفع المال الباطن يقينا ، ولا ظنا ، لعدم الاطلاع عليه ، بخلاف الثاني ، لأن كثرة
ملابسته ومجاورته والاطلاع على الصبر على ما لا يصبر عليه من يكون بيده مال عادة ،
يفيد الظن الغالب بعدم المال ، فلا يتجه مع ذلك انضمامه اليمين إلى البينة.
نعم لو ادعى
الغريم وجود مال مخصوص للمديون ، واعترف بعدم غيره فشهد الشهود بتلفه لم يجب
اليمين في الأول أيضا ، ولم يعتبر اطلاع الشهود على باطن أمره ، إلا أن هذه مادة
خاصة والمسألة أعم منها ، والظاهر من عبارة الأصحاب وغيرهم في هذه المسألة هو ما
وجهناه أخيرا من أن شهود التلف لا يعتبر اطلاعهم على حاله في أنفسهم ولا عند
الحاكم ، بخلاف شهود الإعسار ، ووجهه ما بيناه.
لكن المحقق الشيخ
على رحمهالله قرر كلامهم على ما نقلنا من الوجه ، وهو أن المراد عدم علم الحاكم باطلاعهم
مع اشتراطه في نفس الأمر ، فحصل الالتباس في الفرق على تقريره ، ونفى اليمين في
الأول وإثباتها في الثاني على تقريرهم ، فإن الاطلاع على باطن أمره إن كان معتبرا
فيها فإما أن يقال باشتراط علم الحاكم به أيضا أو نفيه عنهما اتكالا على العدالة ،
فالفرق ليس بجيد ، وإذا لم يطلعوا على باطن أمره في التلف على ما ذكروه ، يكون
إثبات اليمين فيه أوجه من الآخر كما ذكره في التذكرة دون العكس ، لأن الخبرة
الباطنة أفادت ظنا قويا ، مضافا إلى البينة بعدم المال ، ومختار التذكرة في إثبات
اليمين في الأول دون الثاني أجود ، ونقلناه