لنا مضافا، إلى إجماع الإماميّة ما رواه جابر أنّ النبي (عليه السلام) قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي و لجعلتها عمرة، فتأسّف على فوات إحرامه بالعمرة، و لا يتأسّف إلّا على ما هو أفضل [1].
و أمّا أهل مكة و حاضروها- هم من كان بينهم و بينها اثنا عشر ميلا فما دونها- ففرضهم القران و الإفراد لا يجزئهم في حجّة الإسلام غيرهما [2] و قال الشيخ في الخلاف: فمن تمتّع منهم سقط عنه الفرض، و لم يلزمهم دم.
و قال الشافعي: يصحّ تمتعه و قرانه و ليس عليه دم. و قال أبو حنيفة: يكره له التّمتع و القرآن، فان خالف و تمتّع فعليه دم المخالفة دون التمتع و القران [3].
لنا قوله تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ إلى قوله ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ[4] و هذا نصّ، و ليس لأحد أن يقول:
إنّ قوله تعالى (ذٰلِكَ) إشارة إلى الهدي لا إلى التّمتّع، لأنّ ذلك تخصيص بلا دليل [5] و قال الشيخ:
راجع إلى الهدي لا إلى التمتّع، لأنّه يجري مجرى [64/ أ] قول: من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن عاصيا، في أنّ ذلك يرجع إلى الجزاء دون الشرط، ثم قال و لو قلنا أنّه راجع إليهما و قلنا أنّه لا يصح منهم التمتّع كان أصلا قويا [6].
و من كان فرضه التمتّع، فإن أفرد أو قرن مع الاختيار لم تبرأ ذمّته، و لم تسقط عنه حجّة الإسلام خلافا لجميع الفقهاء [7]، لنا أن من وجب عليه شيء معيّن و هو متمكّن من أدائه لم يجز له غيره عقلا و سمعا فكذلك ما نحن فيه.
«و الحجّ على ضربين: مفروض و مسنون، فالمفروض: حجّ الإسلام، و حجّ النذر و العهد، و حجّ الكفّارة، و المسنون: ما عدا ذلك، و يفارق الواجب في أنّه لا يجب الابتداء به، و يساويه بعد الدخول فيه في وجوب المضيّ فيه و في سائر أحكامه إلّا وجوب القضاء بدليل إجماع الإمامية [8] و إذا كان الابتداء مسنونا، فالأولى أن لا يكون القضاء واجبا.