و أخرى: يكون مقدماً عليه من جهة الرجحان في الملاك عند تزاحم الواجبين أو
المحرمين، كما في عنوان الأهم و المهم.
و ثالثة: من قبيل تقديم ما فيه الاقتضاء على ما ليس فيه الاقتضاء، كوجوب الأمر
المباح إذا كان مقدمة للواجب، و كحرمته إذا كان مقدمة للحرام، فإن أدلّة وجوب
المقدمة عقلية لا معنى لجريان الحكومة فيها، بل تقدّم على أدلّة المباحات لأنها
ليس فيها اقتضاء و ملاك للوجوب أو الحرمة، و بعد ما صار مقدّمة للواجب أو الحرام
كان فيها اقتضاء لذلك، كما لا يخفى على الخبير.
فتقديم العناوين الثّانوية على الأولية إنّما يكون لجهات شتى، في كلّ مقام
بحسبه.
5- ولاية الفقيه بنفسها من العناوين الأولية
كما أن منصب الإفتاء و منصب القضاء أيضاً كذلك، فهذه المناصب الثلاثة كلّها من
العناوين الأولية، و لكن الكلام كلّه في متعلّق هذه المناصب، فمنصب الإفتاء يدور
مدار استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، و منصب القضاء يدور حول إحقاق الحقوق و
إجراء الحدود على وفق أحكام الشرع، و الولاية تدور مدار إصلاح نظام المجتمع
الإنساني من طريق تنفيذ أحكام الشرع و إجرائها، فكلّ هذه المناصب تدور مدار
الأحكام الإلهية الأولية و الثّانوية لا غير، و جميع هذه في طول تلك الأحكام، فكما
أن منصب الإفتاء لا يتعدى كشف أحكام العناوين الأولية و الثّانوية، و القضاء لا
يتعدى عن إحقاق الحقوق على وفق أحكام الشرع، فكذلك الولاية لا تتعداها أبداً، و
إلّا لم تكن ولاية إلهية إسلامية، و من الواضح أنه ليس للفقيه الولاية كيفما شاء و
أراد كما مرّ مراراً.