و إن كان بالأمر الثانوي- و هو إيجاب الحكم بمقتضى الطرق المجعولة شرعا للحقّ الواقعي- فهذا الأمر قد امتثل مرة واحدة و حصل المطلوب في الحكم السابق، و لا مزيّة للحكم الثاني عليه؛ لأنّ كلّا منهما إنّما أمر به؛ لكونه مؤدّى الطريق الظاهري.
إلّا أن يقال: أنّ الدليل إنّما أوجب الحكم بالحقّ الواقعي، و لمّا تبيّن بالظنّ الاجتهادي- الذي هو بمنزلة العلم- أنّ هذا الحكم الثاني هو الحقّ الواقعي دون ما حكم به أوّلا، تعيّن الحكم به.
و هذا الكلام يجري في كلّ واجب أتى به أوّلا بظنّ اجتهادي ثمّ تغيّر الظنّ.
و الأصل في المسألة: أنّ الظنّ الاجتهادي موجب لانقلاب التكليف، أو أنّه طريق صرف و مرآة محضة للواقع؟ و الأظهر هو الثاني، و إن كان عمل العلماء، بل سيرة المسلمين في بعض المقامات يقتضي العمل على الأوّل.
فالأولى الاقتصار على مقامات الإجماع و السيرة، و قد أشبعنا الكلام في هذه المسألة في الأصول في باب الرجوع عن الفتوى [1].
و ممّا ذكرنا ظهر أنّه لو سلّم عدم نقض الحكم بالاجتهاد من جهة الإجماع أو السيرة أو لزوم الهرج، فإنّما هو في الحكومة المأمور بها في قطع الخصومات، و أمّا الحكم الناشئ من غير خصومة على القول بصحّته و وجوب الالتزام، بحيث يحرم بعده الخصومة و جرّ المحكوم له إلى حاكم آخر- من جهة عموم [2] ما دلّ على وجوب قبول حكم الحاكم؛ لأنّه حكمهم