بخلاف أصالة البراءة فإنّها أصل أي حكم في مورد الشك و بلحاظه،
و من المعلوم أنه مع وجود الأمارة لا تصل النوبة إلى الأصل و لا معارضة بينهما
أصلا لعدم وحدة الرّتبة و على هذا فالحجّة هو خصوص أصالة الحريّة دون غيرها، هذا
على فرض كونها أمارة.
و أمّا على الثاني أي كونها أصلا بلحاظ حال الشك، و وظيفة للشّاك بلا
عناية إلى الواقع فيجري الإشكال من ناحية أخرى و هي أنه و إن كانت أصالة الحريّة
مجعولة لحال الشك إلّا أنّها استصحاب موضوعي، و الحال أن أصالة البراءة أصل حكمي و
من المعلوم تقديم الأوّل على الثاني كما في سائر المقامات فلا يجري أصالة البراءة
عن غسل ثوب شكّ في نجاسته و طهارته بعد أن مقتضى الاستصحاب نجاسته بأن علم حالته
السابقة و أنّها كانت هي النجاسة، لتعيين النجس بهذا الاستصحاب.
ففي المقام لا يعارض أصل البراءة أصل الحريّة و إن قلنا بكونه أصلا
لا أمارة.
و الحاصل أنه لا تصل النوبة إلى درء الحدود بالشبهات و ذلك لعدم شبهة
أصلا أمّا على الأول فواضح و أمّا على الثاني فلتقدّم الأصل الموضوعي على قاعدة
الدرء فإنّ بجريانه لا تبقى شبهة كي تجري قاعدة الدرء.
ثم إنّه يجري كلّ ما ذكر هنا، في ما إذا اختلف القاذف و المقذوف بأن
قال القاذف: أنت عبد فلا حدّ عليّ و ادّعى المقذوف خلافه و قال: أنا حرّ فعليك
الحدّ. و ذلك لأن الملاك واحد و إنّما الفرق في أن مآل النزاع في السابق إلى
الاختلاف في كمال الحدّ و نصفه و في هذا الفرض إلى لزوم الحدّ و عدمه فيجب التعزير
حيث إنّ قذف المملوك لا يوجب سوى التعزير.
و بعبارة أخرى: البراءة في الأوّل عن الأربعين الزائد و في الثاني عن
الحدّ، و هذا الفرق ليس بفارق للحكم بل كان مفروض كلام الشيخ في الخلاف و المبسوط
هو خصوص هذا الفرض، و لوحدة الملاك تعرّض الجواهر لكلامه في