فكل عمل صنعه المكلف اتقاء لضرره واضطراراً إليه فهو محكوم بالجواز والحلية في الشريعة المقدسة .
وأمّا التقيّة بالمعنى الأخص أعني التقيّة من العامّة ، فهي في الأصل واجبة ، وذلك للأخبار الكثيرة الدالة على وجوبها ، بل دعوى تواترها الاجمالي والعلم بصدور بعضها عنهم (عليهم السلام) ولا أقل من اطمئنان ذلك قريبة جداً . هذا على أن في بينها روايات معتبرة كصحيحتي ابن أبي يعفور ومعمر بن خلاد [1] وصحيحة زرارة [2] وغيرها من الروايات الدالة على وجوب التقيّة .
ففي بعضها "إن التقيّة ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقيّة له" [3] وأي تعبير أقوى دلالة على الوجوب من هذا التعبير ، حيث إنه ينفي التدين رأساً عمن لا تقيّة له ، فمن ذلك يظهر أهميتها عند الشارع وأن وجوبها بمثابة قد عدّ تاركها ممن لا دين له . وفي بعضها الآخر "لا إيمان لمن لا تقيّة له" [4] وهو في الدلالة على الوجوب كسابقه . وفي ثالث "لو قلت إن تارك التقيّة كتارك الصلاة لكنت صادقاً" [5] ودلالته على الوجوب ظاهرة ، لأن الصلاة هي الفاصلة بين الكفر والايمان كما في الأخبار وقد نزّلت التقيّة منزلة الصلاة ودلت على أنها أيضاً كالفاصلة بين الكفر والايمان . وفي رابع "ليس منّا من لم يجعل التقيّة شعاره ودثاره" [6] . وقد عدّ تارك التقيّة في بعضها ممن أذاع سرهم وعرّفهم إلى أعدائهـم[7] إلى غير ذلك من الروايات ، فالتقيّة بحسب الأصل الأوّلي
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الوسائل 16 : 205 / أبواب الأمر والنهي ب 24 ح 7 ، 4 .
[2] الوسائل 16 : 214 / أبواب الأمر والنهي ب 25 ح 1 .
[3] الوسائل 16 : 210 / أبواب الأمر والنهي ب 24 ح 24 .
[4] كما في صحيحتي ابن أبي يعفور ومعمر بن خلاّد المتقدِّمتين آنفاً .
[5] كما في رواية السرائر المروية في الوسائل 16 : 211 / أبواب الأمر والنهي ب 24 ح 27 .
[6] الوسائل 16 : 212 / أبواب الأمر والنهي ب 24 ح 29 .
[7] كما في رواية الاحتجاج المروية في الوسائل 16 : 228 / أبواب الأمر والنهي ب 29 ح 11 ، وصحيحة معلّى بن خنيس المتقدمة المروية في الوسائل 16 : 210 / أبواب الأمر والنهي ب 24 ح 24 .