الباب الرابع و الثلاثون في خبر بعض المستهزئين برسول الله (صلّى اللّه عليه و سلم) و كيف كان هلاكهم
قال اللَّه سبحانه و تعالى: وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما استهزئ بك. و هذه تسلية للنبي (صلّى اللّه عليه و سلم) فَأَمْلَيْتُ أمهلت لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بالعقوبة فَكَيْفَ كانَ عِقابِ [الرعد 32] أي فكيف رأيت ما صنعت بهم فكذلك أصنع بمن استهزأ بك.
و قال تبارك و تعالى: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بأن أهلكناهم بآفة الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الحجر 95] صفة و قيل مبتدأ و لتضمّنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره و هو فسوف يعلمون عاقبة أمرهم وَ لَقَدْ للتحقيق نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ من الاستهزاء و الكذب فَسَبِّحْ متلبسا بِحَمْدِ رَبِّكَ أي قبل سبحان اللَّه و بحمده وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ المصلّين وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر 97: 99] الموت.
قال الجمهور و منهم ابن عباس في أكثر الروايات عنه: كانوا خمسة. و قال في رواية:
كانوا ثمانية و صححه في الغرر و جزم به أبو عمرو العراقي في الدّرر.
الأول: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن زهرة،
و هو ابن خال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم).
قال البلاذري: كان إذا رأى المسلمين قال لأصحابه: قد جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى و قيصر. و يقول للنبي (صلّى اللّه عليه و سلم): أما كلّمت اليوم من السماء يا محمد. و ما أشبه هذا القول. فخرج من عند أهله فأصابته السّموم فاسودّ وجهه حتى صار حبشيّا، فأتى أهله فلم يعرفوه و أغلقوا دونه الباب، فرجع متلدّدا حتى مات عطشا.
و يقال إن جبريل (صلّى اللّه عليه و سلم) أومأ إلى رأسه فضربته الأكلة فامتخض رأسه قيحا و يقال أومأ إلى بطنه فسقى بطنه و مات حبنا. و يقال إنه عطش فشرب الماء حتى انشق بطنه.
قلت: و القول الأول رواه أبو نعيم بسند ضعيف عن ابن عباس، و رواه أيضا عن الربيع بن أنس. و زاد: و كان رجلا أبيض حسن الجسم. و القول الثاني رواه الطبراني و البيهقي و الضياء بسند صحيح. و القول الثالث رواه أبو نعيم من طريقين ضعيفين. و القول الرابع رواه [1] ...
و روى ابن أبي حاتم و البلاذري بسند صحيح عن عكرمة أن جبريل حنى ظهر الأسود حتى احقوقف صدره، فقال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) خالي خالي. فقال: دعه عنك يا محمد فقد كفيته.
و لا تخالف بين هذه الروايات لاحتمال أن جميعها حصل له.