الباب السادس في سمعه الشريف (صلّى اللّه عليه و سلم)
كان (صلّى اللّه عليه و سلم) يسمع ما لا يسمعه الحاضرون مع سلامة حواسّهم من مثل الذي سمعه.
و روى ابن عساكر عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) تامّ الأذنين.
و روى الترمذي و ابن ماجة عن أبي ذر، و أبو نعيم عن حكيم بن حزام رضي اللَّه تعالى عنهما قالا: قال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «تسمعون ما أسمع؟» قالوا ما نسمع من شيء قال: إني لأرى ما لا ترون و أسمع ما لا تسمعون، إني أسمع أطيط السماء و ما تلام أن تئطّ و ما فيها موضع شبر إلا و عليه ملك ساجد أو قائم.»
و قال زيد بن ثابت [1] رضي اللَّه تعالى عنه: بينا النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) على بغلة له إذ حادت به فكادت تلقيه و إذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل:
أنا. فقال: متى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فأعجبه ذلك فقال: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلو لا أن لا تدافنوا لدعوت اللَّه عز و جل أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع».
و قال أنس رضي اللَّه تعالى عنه: دخل رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) حائطا من حيطان المدينة لبني النجار فسمع أصوات قوم يعذّبون في قبورهم فحاصت البغلة، فسأل النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم): متى دفن هذا؟ قالوا: يا رسول اللَّه دفن هذا في الجاهلية فأعجبه ذلك و ذكر نحو الذي قبله.
رواه الإمام أحمد.
و قد ثبت أن الوحي كان يأتي رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أحيانا في مثل صلصلة الجرس و يسمعه و يعيه و لا يسمعه أحد من الصحابة.
تنبيهان
الأول: إن قيل: كيف يكون صوت مسموع لسامع في محلّ لا يسمعه آخر معه و هو
[1] زيد بن ثابت بن الضّحّاك بن زيد بن لوذان بمعجمة ابن عمرو النّجّاري المدني كاتب الوحي و أحد نجباء الأنصار، شهد بيعة الرضوان، و قرأ على النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)، و جمع القرآن في عهد الصديق. و ولي قسم غنائم اليرموك، له اثنان و تسعون حديثا. اتفقا على خمسة، و انفرد (خ) بأربعة، و (م) بواحد، روى عنه ابن عمر و أنس و سليمان بن يسار، و ابنه خارجة بن زيد و خلق. قال يحيى بن سعيد: لما مات زيد قال أبو هريرة: مات خير الأمة. توفي سنة خمس و أربعين.
و قيل: سنة ثمان. و قيل: سنة إحدى و خمسين. [الخلاصة 1/ 350.]