و وصف من خديجة بعد وصف* * * فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكّتين على رجائي* * * حديثك أن أرى منه خروجا
بما أخبرتنا من قول قسّ* * * من الرّهبان أكره أن يعوجا
بأنّ محمّدا سيسود قوما* * * و يخصم من يكون له حجيجا
و يظهر في البلاد ضياء نور* * * يقيم به البريّة أن تموجا
فيلقى من يحاربه خسارا* * * و يلقى من يسالمه فلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم* * * شهدت فكنت أوّلهم ولوجا
ولوجا في الّذي كرهت قريش* * * و لو عجّت بمكّتها عجيجّا
أرجّي بالّذي كرهوا جميعا* * * إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا
و هل أمر السّفاهة غير كفر* * * بمن يختار من سمك البروجا
فإن يبقوا و أبق تكن أمور* * * يضجّ الكافرون لها ضجيجّا
و إن أهلك فكلّ فتى سيلقى* * * من الأقدار متلفة خروجا
تنبيهات
الأول: قول الراهب: «ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبيّ» قال السهيلي: يريد ما نزل تحتها هذه الساعة قط إلا نبي. و لم يرد ما نزل تحتها قط إلا نبي لبعد العهد بالأنبياء قبل ذلك، و إن كان في لفظ الخبر قط فقد يتكلم بها على جهة التوكيد للنفي، و الشجرة لا تعمّر في العادة هذا العمر الطويل حتى يدرى أنه لم ينزل تحتها إلا عيسى أو غيره من الأنبياء، و يبعد في العادة أيضا أن تكون شجرة تخلو من أن ينزل تحتها إلا عيسى أو غيره من الأنبيا، و يبعد في العادة أيضا أن تكون شجرة تخلو من أن ينزل تحتها أحد حتى يجيء نبي، إلا أن تصح رواية من قال: لم ينزل تحتها أحد بعد عيسى ابن مريم. و هي رواية عن غير ابن إسحاق فالشجرة على هذا مخصوصة بهذه الآية. انتهى. و أقره في «الزّهر» و «النّور».
و تعقبه الإمام العلامة عز الدين بن جماعة بأنه مجرد استبعاد لا دلالة فيه على امتناع و لا إحالة، و بأنه استبعاد يضعفه معارضة ظاهر الخبر و كون متعلّقات الأنبياء مظنة خرق العادة، فلا يكون حينئذ ذلك من طول البقاء و صرف غير الأنبياء عن النزل تحتها ببعيد، و ذلك واضح فتفطّن.
قلت: و يؤيد ما ذكره الشيخ عز الدين ما سبق نقله عن أبي سعد، و ما في أسباب النزول للإمام الواحديّ أن أبا بكر رضي اللَّه تعالى عنه صحب النبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم) في سفره إلى الشام فنزلوا منزلا فيه سدرة، فقعد النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) في ظلّها و ذهب أبو بكر يسأل عن الدّين، فقال له الراهب: