الباب الحادي عشر في شهوده (صلّى اللّه عليه و سلم) حلف الفضول
كان هذا الحلف في ذي القعدة قبل المبعث بعشرين سنة منصرف قريش من الفجار و لرسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) يومئذ عشرون سنة. و كان أكرم حلف سمع به و أشرفه في العرب.
و كان أول من تكلم به و دعا إليه الزبير بن عبد المطلب عم رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم). و كان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاصي بن وائل السّهمي و كان ذا قدر و شرف بمكة فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيديّ الأحلاف عبد الدار و مخزوما و جمحا و سهما فأبوا أن يعينوا الزبيدي على العاصي بن وائل و زبروه و نهروه فلما رأى الزبيدي الشرّ رقى على أبي قبيس عند طلوع الشمس و قريش في أنديتهم حول الكعبة فقال بأعلى صوته:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته* * * ببطن مكّة نائي الدّار و النّفر
و محرم أشعث لم يقض عمرته* * * يا للرّجال و بين الحجر و الحجر
إنّ الحرام لمن تمّت مكارمه* * * و لا حرام لثوب الفاجر الغدر
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب و قال أ لهذا مترك؟ فاجتمعت هاشم و زهرة و تيم في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعاما فحالفوا في القعدة في شهر حرام قياما فتعاقدوا و تعاهدوا ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بلّ بحر صوفة و ما رسا حراء و ثبير مكانهما، و على التآسي في المعاش. فسمّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.
و قالوا: لقد دخل هؤلاء في فضول من الأمر. ثم مشوا إلى العاصي بن وائل. فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه.
و روى ابن إسحاق عن طلحة بن عبيد الله و ابن سعد و البيهقي عن جبير بن مطعم رضي اللَّه تعالى عنهما قالا قال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحبّ أن لي به حمر النّعم و لو دعي به في الإسلام لأجبت»
و روى البيهقي عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) قال: ما شهدت حلفا لقريش إلا حلف المطيّبين شهدته مع عمومتي و ما أحب أن لي به حمر النعم و أني كنت نقضته.