الباب العاشر في شهوده (صلّى اللّه عليه و سلم) حرب الفجار
و كان في شوال. كما قاله الواقديّ. و قيل في شعبان كما في الرّوض.
لما بلغ رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أربع عشرة أو خمس عشرة فيما قال ابن هشام، و قال ابن إسحاق: عشرين سنة كان قبل المبعث بعشرين سنة هاجت حرب الفجار بين قريش و من معها من كنانة و بين قيس عيلان. و كان الذي هاجها أن عروة الرحّال ابن عتبة أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال البرّاض بن قيس أحد بني ضمرة: أ تجيرها على كنانة؟ قال: نعم و على الخلق. فخرج فيها عروة الرحّال و خرج البرّاض يطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البرّاض فقتله في الشهر الحرام، فلذلك سمي الفجار. فأتى آت قريشا فقال: إن البراض قد قتل عروة و هم في الشهر الحرام بعكاظ. فارتحلوا و هوازن لا تشعر، ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم فاقتتلوا حتى جاء الليل و دخلوا الحرم فأمسكت عنهم هوازن ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما، و كان لكنانة و قيس فيه ستة أيام مذكورة: شمظة و يوم العبلاء و هما عند عكاظ، و يوم الشّرب و هو أعظمها يوما و فيه قيّد أبو سفيان و أمية و حرب أبناء أمية أنفسهم كي لا يفّروا فسمّوا العنابس. و يوم الحريرة عند نخلة انهزمت قريش إلا بني نصر منهم فإنهم ثبتوا و شهد رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بعض أيامهم أخرجه أعمامه معهم.
و روى ابن سعد أن رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) قال: قد حضرته- يعني: حرب الفجار- مع عمومتي و رميت فيه بأسهم و ما أحبّ أني لم أكن فعلته و كنت أنبّل على أعمامي
و كان آخر أيام الفجار أن هوازن و كنانة تواعدوا للعام القابل بعكاظ فجاءوا للموعد، و كان حرب بن أمية رئيس قريش و كنانة، و كان عتبة بن ربيعة يتيما في حجره فضربه حرب و أشفق من خروجه معه فخرج عتبة بغير إذنه فلم يشعر إلا و هو على بعيره بين الصفّين ينادي: يا معشر مضر علام تفانون؟ فقالت له هوازن: ما تدعو إليه؟ قال: الصلح على أن ندفع لكم دية قتلاكم و تعفوا عن دمائنا. قالوا: و كيف ذاك؟ قال: ندفع إليكم رهنا منا. قالوا: و من لنا بهذا، قال أنا: قالوا، و من أنت: قال: أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. فرضوا و رضيت كنانة و دفعوا إلى هوازن أربعين رجلا فيهم حكيم بن حزام فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في أيديهم عفوا عن الدماء و أطلقوهم و انقضت حرب الفجار.
و كان يقال: لم يسد من قريش مملق يعني فقيرا غير عتبة و أبي طالب فإنهما سادا بغير مال.