فما رجعوا حتّى رأوا من محمّد* * * أحاديث تجلو رين كلّ فؤاد
و حتّى رأوا أحبار كلّ مدينة* * * سجودا له من عصبة و فراد
زبيرا و تمّاما و قد كان شاهدا* * * دريس فهمّوا كلّهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا فأيقنوا* * * به بعد تكذيب و طول بعاد
كما قال للرّكب الذّين تهوّدوا* * * و جاهدهم في اللَّه حقّ جهاد
و قال و لم يترك له النّصح ردّه* * * فإنّ له أرصاد كلّ مضاد
فإنّي أخاف الحاسدين و إنّه* * * لفي الكتب مكتوب بأيّ مداد
و منها:
ألم ترني من بعد همّ هممته* * * بفرقة حرّ الوالدين كرام
بأحمد لمّا أن شددت مطيّتي* * * برحلي و قد ودّعته بسلام
بكى حزنا و العيس قد فصلت بنا* * * و أمسك بالكفّين فضل زمام
ذكرت أباه ثمّ رقرقت عبرة* * * بحورا من العينين ذات سجام
فقلت تروّح راشدا في عمومة* * * مواسين في البأساء غير لئام
فرحنا مع العير الّتي راح أهلها* * * شآم الهوى و الأصل غير شآم
فلمّا هبطنا أرض بصرى تشرّفوا* * * لنا فوق دور ينظرون جسام
فجاء بحيرا عند ذلك حاشدا* * * لنا بشراب طيّب و طعام
فقال اجمعوا أصحابكم لطعامنا* * * فقلنا جمعنا القوم غير غلام
يتيما فقال ادعوه إنَّ طعامنا* * * كثير عليه القوم غير حرام
فلمّا رآه مقبلا نحو داره* * * توقّيه حرّ الشّمس ظلّ غمام
حنى رأسه شبه السّجود و ضمّه* * * إلى نحره و الصّدر أيّ ضمام
و أقبل ركب يطلبون الّذي رأى* * * بحيرا من الأعلام وسط خيام
فثار إليهم خشية لغرامهم* * * و كانوا ذوي مكر معا و غرام
دريس و تمّام و قد كان فيهم* * * زبير و كلّ القوم غير نيام
فجاءوا و قد همّوا بقتل محمّد* * * فردّهم عنه بحسن خصام
بتأويله التّوراة حتّى تفرّقوا* * * فقال لهم ما أنتم بطغام