روى أحمد و غيره عن ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) قال: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و إن صاحبكم خليل اللّه»
[1] و الخليل: فعيل بمعنى فاعل، و هو من الخلة و هي الصداقة و المحبة التي تخلّلت القلب فصارت خلاله. قال بعضهم:
قد تخلّلت مسلك الرّوح منّي* * * و لذا سمّي الخليل خليلا
فإذا ما نطقت كنت حديثي* * * و إذا ما سكتّ كنت العليلا
و هذا صحيح بالنسبة إلى ما في قلب النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) من حب اللّه تعالى. و أما إطلاقه في حق البارئ تعالى فعلى سبيل المقابلة. و قيل: الخلّة أصلها الاصطفاء و سمي بذلك لأنه يوالي و يعادي في اللّه تعالى. و خلة اللّه تعالى له نصره و جعله خير خلقه و قيل هو مشتق من الخلّة بفتح المعجمة و هي الحاجة و سمي بذلك لانقطاعه إلى ربه و قصر حاجته عليه.
قال الإمام الواحدي: و القول الأول هو المختار، لأن اللّه تعالى خليل محمد و محمد خليل اللّه، و لا يجوز أن يقال: اللّه تعالى خليل محمد من الخلّة التي هي الحاجة.
تنبيه:
الخلّة: أعلى و أفضل من المحبة. قال ابن القيّم: و أما ما يظنه بعض الغالطين من أن المحبة أكمل من الخلّة، و أن إبراهيم خليل اللّه، و محمد حبيب اللّه، فمن جهله بأن المحبة عامّة و الخلّة خاصة، و هي نهاية المحبة. قال: و قد أخبر النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) أن اللّه تعالى اتّخذه خليلا، و نفى أن يكون له خليل غير ربّه، مع إخباره بحبّه لعائشة و لأبيها و لعمر بن الخطاب و غيرهم.
و أيضا: فإن اللّه تعالى يحب التوّابين و يحب المتطهرين و يحب الصابرين، و خلته خاصة بالخليلين. و بسط الكلام على ذلك. ثم قال: و إنما هي من قلّة العلم و الفهم عن اللّه تعالى و رسوله.
[1] أخرجه أحمد في المسند 1/ 462، و ابن سعد في الطبقات 2/ 2/ 25.