يكلفهم بالإيمان باللّه عز و جل، فالعرب حتى في زمن أنبياء بني إسرائيل أهل فترة لأن تلك الرسل لم يؤمروا بدعايتهم إلى اللّه تعالى و تعليمهم الإيمان قال: نعم، من ورد فيه حديث صحيح من أهل الفترة بأنه من أهل النار، فإن أمكن تأويله فذاك، و إلا لزمنا أن نؤمن بهذا الفرد بخصوصه.
قال: و أما قول الفخر الرازي: لم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد معلومة، فجوابه أن كل رسول إنما أرسل إلى قوم مخصوصين، فمن لم يرسل إليه لا يعذب.
و جواب ما صح من تعذيب أهل الفترة أنها أخبار آحاد، فلا تعارض القطع، أو يقصر التعذيب على ذلك الفرد بخصوصه: أي حيث لا يقبل التأويل، كما تقدم، هذا كلامه.
هذا و قد جاء أنهم: أي أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة. فقد أخرج البزار عن ثوبان أن النبي (صلى اللّه عليه و سلم) قال: «إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم فيقولون: ربنا لم ترسل لنا رسولا و لم يأتنا لك أمر، و لو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك، فيقول لهم ربهم: أ رأيتم إن أمرتكم بأن تطيعوني؟ فيأخذ على ذلك مواثيقهم، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا فرجعوا فقالوا: ربنا فرقنا منها و لا نستطيع أن ندخلها، فيقول:
ادخلوها داخرين، فقال النبي (صلى اللّه عليه و سلم): لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا و سلاما».
قال الحافظ ابن حجر: فالظن بآله (صلى اللّه عليه و سلم)، يعني الذين ماتوا قبل البعثة أنهم يطيعون عند الامتحان إكراما له (صلى اللّه عليه و سلم) لتقرّ عينه و يرجو أن يدخل عبد المطلب الجنة في جماعة من يدخلها طائعا إلا أبا طالب فإنه أدرك البعثة و لم يؤمن به أي بعد أن طلب منه الإيمان.
و مما استدل به الحافظ السيوطي على أن أبويه (صلى اللّه عليه و سلم) ليسا في النار قال: لأنهما لو كانا في النار لكانا أهون عذابا من أبي طالب، لأنهما أقرب منه و أبسط عذرا لأنهما لم يدركا البعثة، و لا عرض عليهما الإسلام فامتنعا بخلاف أبي طالب. و قد أخبر الصادق (صلى اللّه عليه و سلم) أنه أهون أهل النار عذابا، فليسا أبواه (صلى اللّه عليه و سلم) من أهلها. قال: و هذا يسمى عند أهل الأصول دلالة الإشارة.
و كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد من أهل بيته: أي و لا أحد من أشراف قريش إجلالا له، فكان بنوه و سادات قريش يحدقون به، فكان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلم) يأتي و هو غلام جفر: أي شديد قوي حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب: إذا رأى: أي علم ذلك منهم دعوا ابني، فو اللّه إن له لشأنا، ثم يجلسه عليه معه، و يمسح ظهره و يسرّه ما يراه يصنع.