تَعَالَى يَقُولُ: يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي فَقُلْتُ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْبَرَ سِنّاً قَالَ: هَارُونُ قُلْتُ: فَكَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعاً قَالَ: الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى مُوسَى وَ مُوسَى يُوحِيهِ إِلَى هَارُونَ فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْأَحْكَامِ وَ الْقَضَاءِ وَ الْأَمْرِ وَ النَّهْيِ- أَ كَانَ ذَلِكَ إِلَيْهِمَا- قَالَ كَانَ مُوسَى الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ وَ يَكْتُبُ [هَارُونُ] الْعِلْمَ- وَ يَقْضِي بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ هَارُونُ يَخْلُفُهُ إِذَا غَابَ مِنْ قَوْمِهِ لِلْمُنَاجَاةِ، قُلْتُ: فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ قَالَ مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مُوسَى ع وَ مَاتَا جَمِيعاً فِي التِّيهِ، قُلْتُ فَكَانَ لِمُوسَى وَلَدٌ- قَالَ لَا كَانَ الْوَلَدُ لِهَارُونَ وَ الذُّرِّيَّةُ لَهُ.
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ مُوسَى عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي أَكْرَمِ كَرَامَةٍ- حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مُوسَى مِنَ التَّوْحِيدِ حَتَّى هَمَّ بِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِهِ وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ- فَإِذَا رَجُلَانِ يَقْتَتِلَانِ أَحَدُهُمَا يَقُولُ بِقَوْلِ مُوسَى وَ الْآخَرُ يَقُولُ بِقَوْلِ فِرْعَوْنَ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ فَجَاءَ مُوسَى فَوَكَزَ صَاحِبَ فِرْعَوْنَ فَقَضى عَلَيْهِ وَ تَوَارَى فِي الْمَدِينَةِ- فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَاءَ آخَرُ- فَتَشَبَّثَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَقُولُ بِقَوْلِ مُوسَى فَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى فَلَمَّا نَظَرَ صَاحِبُهُ إِلَى مُوسَى قَالَ لَهُ:
أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ فَخَلَّى عَنْ صَاحِبِهِ وَ هَرَبَ- وَ كَانَ خَازِنُ فِرْعَوْنَ مُؤْمِناً بِمُوسَى قَدْ كَتَمَ إِيمَانَهُ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ- وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: «وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ- أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ» وَ بَلَغَ فِرْعَوْنَ خَبَرُ قَتْلِ مُوسَى الرَّجُلَ فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ- فَبَعَثَ الْمُؤْمِنُ إِلَى مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ- فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها كَمَا حَكَى اللَّهُ خائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمْنَةٍ وَ يَسْرَةٍ وَ يَقُولُ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
وَ مَرَّ نَحْوَ مَدْيَنَ وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مَدْيَنَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ- فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ مَدْيَنَ رَأَى بِئْراً- يَسْتَقِي النَّاسُ مِنْهَا لِأَغْنَامِهِمْ وَ دَوَابِّهِمْ فَقَعَدَ نَاحِيَةً- وَ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ شَيْئاً، فَنَظَرَ إِلَى جَارِيَتَيْنِ فِي نَاحِيَةٍ- وَ مَعَهُمَا غُنَيْمَاتٌ لَا تَدْنُوَانِ مِنَ الْبِئْرِ، فَقَالَ لَهُمَا مَا لَكُمَا لَا تَسْتَقِيَانِ