و أمّا البيان الثاني، و هو البيان بلحاظ الحاكم فيقال فيه، بأنه يستحيل أن يكون الأمر الأول معلقا بالمهمل، لأن هذا، معناه أن المولى في عالم الجعل لا يدري ما ذا يطلب، هل المطلق أو المقيّد.
و من الواضح أن المولى لا يعقل أن يشك فيما يطلب، و إن كان غير المولى يشك فيما يطلب المولى.
و أنت كما ترى فإن كلا البيانين روحهما واحدة، و إن اختلف طرز البيان فيهما، سوف يختلف طرز الجواب عنهما، و إن كانا لا يرجعان إلى معنى محصّل.
أمّا البيان الأول، و هو كون الإهمال غير معقول، لأن الأمر المجعول التشريعي له حظ من الوجود فلا بد أن يكون متعيّنا في أفق وجوده لاستحالة المردّد و المبهم.
هذا الكلام جوابه هو، أن تعلق الأمر الأول بالطبيعة المهملة ليس معناه، تعلق الأمر بالمردّد بين المطلق و المقيّد بحيث يكون المتعلق هو المردّد بينهما في لوح الأمر و نفس الأمر و الواقع، حيث يكون متعلق الأمر شيئا مرددا، لا هو المطلق بعينه و لا هو ليس المطلق بعينه و لا هو المقيّد بعينه و لا هو ليس المقيّد بعينه، و هكذا تردّد ثبوتا و لبا بين المطلق و المقيّد، مثل هذا التردد لو كان هو المراد من الإهمال فهذا أمر محال.
و لكن المراد من الإهمال ليس الوجود المردّد للطبيعة، بل للطبيعة وجود متعين في أفق الحكم و أفق الجعل، إلّا أنّ هذا الوجود المتعيّن لذات الطبيعة لم ينضم إليه لا الإطلاق و لا التقييد، لأن التقييد عبارة عن لحاظ القيد مع الطبيعة، و الإطلاق عبارة عن رفض القيد عن الطبيعة، و لكن ليس معنى هذا، أن وجود الطبيعة الذهني في أفق الأمر و الجعل يكون وجودا مردّدا، بل هو وجود متعيّن، غايته أنه نفيت عنه الإضافة، لا أنه وجود المردّد، فالإهمال الذي نتعقله أجنبي عن باب الفرد المردّد و استحالة التردد في الوجود، و من جواب البيان الأول هذا،