تدوين مسائله، بل بلحاظ روح مسائله و وضوحها. و في الفلسفة العالية قالوا بأن موضوع العلم هو الوجود المطلق بما هو وجود، و عكسوا التدوين فقالوا بأن الجوهر موجود يعني الوجود جوهر، و هكذا الوجود عقل، و الوجود نفس، إذن فالوجود هو الجامع. إذن فنحن في مقام انتزاع موضوع العلم لا نجمد على موضوعات المسائل حسب تدوينها الخارجي لننتزع موضوعا بحسب التدوين، الفعلي الخارجي للمسألة و إنما الميزان في اقتناص موضوع العلم هو أن يكون منطبقا على ما هو روح الموضوع في المسألة، بحسب تدوينها الخارجي الفعلي.
الأمر الثاني: هو أن موضوع العلم، و إن كان يبحث في ذلك العلم عن عوارضه، و لكن ليس المقصود في البحث عن عوارضه أن يكون نسبته إلى محمولات مسائل ذلك العلم نسبة المحل إلى عرضه، لأننا أوضحنا أن المقصود من العرض في المقام العروض بلحاظ المنشئية و الاستتباع، لا بلحاظ المحلية- فليس المقصود من العروض الحالّة- حيث تكون نسبة محمولات المسائل إلى موضوع العلم نسبة الأحوال إلى محلّها، و الأعراض إلى مصبّها، بل قد تكون نسبة موضوع العلم إلى محمولات المسائل نسبة العلة إلى معلولاتها، و المؤثر إلى آثاره؛ بأن يبحث في علم عن النور مثلا، فيتكلم عن آثار النور و معلولاته، و نتائجه، فلا يلزم أن تكون محمولات المسائل أعراضا بمعنى أحوالا ثابتة، بل بمعنى نتائج و شئون و تبعات، و لو كانت هذه التبعية بلحاظ المنشئية، لا بلحاظ المحلية.
الأمر الثالث: إن مسائل علم الأصول كما تبيّن في تعريف علم الأصول، هي عبارة عن القواعد المشتركة في القياس الفقهي- أي في الاستنباط- و كان المقصود كما سبق، من القياس الفقهي- يعني القياس الذي يقيم الحجة، و ينجّز، و يعذّر عن الواقع، هذا القياس المنجز و المعذر، كلّ ما يكون قاعدة مشتركة فيه فهي قاعدة أصولية، و حيث أن كل مسألة من مسائل علم الأصول إنما تكون دخيلة في قياس التنجيز و التعذير بوجودها الواصل- لا بوجودها النفس الأمري- و لهذا بحسب الحقيقة فإنّ القاعدة الأصولية عبارة عن الوجود الواصل- لا الوجود النفس الأمري-.