بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الّذي يدل افتقار كلّ موجود
في الوجود إليه على وجوب وجوده، و إفاضته إيّاه متصفا بما أمكن من الكمال على كمال
قدرته و جوده، و إتقان ذلك الموجود في ذاته و نظمه مع ما سواه على علمه و حكمته، و
تخصيصه بخواصّه الّتي لا يشاركه فيها غيره على عنايته و إرادته، و اجتماع هذه
الآثار فيه مع كونه واحدا على وحدانيّته، و براءته عن الخلل و النّقصان بحسب
الامكان على نفي الكثرة عن ذاته و صفاته. و الصّلاة على نبيّه المبعوث للهداية،
المنقذ لمتابعيه من الغواية، و على آله الهادين، و عترته المهديين، و أصحابه
المهتدين، سلام اللّه عليهم أجمعين.
و بعد، فإنّ أساس العلوم الدّينيّة علم اصول الدّين، الّذي يحوم
مسائله حول اليقين، و لا يتمّ بدونه الخوض في سائرها، كاصول الفقه و فروعه، فانّ
الشّروع في جميعها محتاج إلى تقديم شروعه، حتّى لا يكون الخائض فيها، و إن كان
مقلّدا لاصولها، كبان على غير أساس، و إذا سئل عمّا هو عليه لم يقدر على إيراد
حجّة او قياس.
و في هذا الزّمان لمّا انصرفت الهمم عن تحصيل الحقّ بالتّحقيق، و زلّت
الأقدام عن سواء الطّريق، بحيث لا يوجد راغب في العلوم، و لا خاطب للفضيلة، و صارت
الطّباع كأنّها مجبولة على الجهل و الرّذيلة، اللّهم إلّا بقيّة يرمون فيما يرومون
رمية رام في ليلة ظلماء، و يخبطون فيما ينحون نحوه خبط عشواء.
و لم يبق في الكتب الّتي يتداولونها من علم الاصول عيان و لا خبر،
و لا من تمهيد