الفقهيّة، كقوله عليه السلام: التقيّة سنّة إبراهيم، أو سنّة آل فرعون، أو
سنّة أصحاب الكهف، أو أنّها جنّة المؤمن، أو ترس المؤمن، وهكذا قوله تعالى: «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً»[1] الوارد في شأن
عمّار بن ياسر وأبويه، فلا إشكال في أنّ جميعها ناظراً إلى التقية في مقام العمل
كما لا يخفى.
وتقية في مقام الفتوى، وهى بنفسها على قسمين: أحدهما ما يصدر من الإمام عليه
السلام حفظاً لنفسه الشريفة، وثانيهما ما يصدر منه حفظاً لدماء الشيعة، والمتتبّع
في تاريخ الأئمّة وسيرتهم يلاحظ أنّ هذين القسمين من التقيّة لم تكن بتلك الدرجة
من الكثرة لكي يتوهّم مثل المحقّق الرشتي رحمه الله أنّ كلّ خبر يوافق آراء
العامّة فإمّا أن لا يكون صادراً عنهم عليهم السلام أو صدر تقية، سيّما بعد ملاحظة
الروايات الناقضة للتقية كأكثر روايات باب الخمس وكثير من روايات أبواب الحجّ وما
أشبهها فراجع.
4- قال المحقّق الخراساني رحمه الله أنّ تقدّم الأرجح صدوراً على المخالف
للعامّة (أي تقدّم المرجّح الصدوري على الجهتي) مبنيّ على كون المخالفة للعامّة من
المرجّحات الجهتية، وأمّا بملاحظة كونها من المرجّحات الدلالية نظراً إلى ما في
الموافق للعامّة من احتمال التورية الموجب لضعف ظهوره ودلالته فيكون المخالف
للعامّة أقوى منه دلالة وظهوراً لعدم احتمال التورية فيه أصلًا، فالمرجّح الجهتي
حينئذٍ مقدّم على جميع المرجّحات الصدورية لما عرفت من تقدّم المرجّحات الدلالية
على ما سواها من المرجّحات.
ثمّ أشكل على نفسه وقال: اللهمّ إلّاأن يقال: إنّ باب احتمال التورية وإن كان
مفتوحاً فيما احتمل فيه التقيّة إلّاأنّه حيث كان بالتأمّل والنظر لم يوجب أن يكون
معارضه أظهر، بحيث يكون قرينة على التصرّف عرفاً في الآخر من حيث الدلالة.
أقول: إن كان مقصوده ممّا رجع إليه في ذيل كلامه أنّ
عمل التورية وأعمالها في محلّها أمر مشكل فهو صحيح لا غبار عليه، وأمّا إن كان
المقصود أنّ تشخيص الأظهر والظاهر بعد فرض انفتاح باب التورية وتحقّقها في الخارج
في الروايات الموافقة مشكل فهو ممنوع، فإنّ الإنصاف أنّ ما لا يحتمل فيه التورية
أقوى ظهوراً عند العرف ممّا يحتمل فيه التوراة، فيقدّم عليه إذا كان أحدهما قرينة
على التصرّف في الآخر، هذا أوّلًا.