من الاُمور الّتي تحظى بأهمية عند تقصّي القرائن ، معرفة جوّ التخاطب ومجلس الحوار . فنحن نرى وندرك هذه القرائن في زمن قول أو سماع الرواية ، ولكننا لا ندرك أهميّتها بسبب حجاب القرب والحضور ، ولكننا نواجه لاحقاً وبعد انقطاع الكلام عن الفضاء الّذي جاء فيه وانقطاع علاقته بالخارج ، نواجه مشكلة في فهم الحديث أو سوء فهم له ، وهناك أمثلة كثيرة في تاريخ الحديث يمكن أن نسوقها هنا سواء عند الشيعة أو عند أهل السُنّة ، حصل فيها سوء فهم للأحاديث ، أو أنّها بقيت غامضة وغير مفهومة المعنى لسنوات طويلة بسبب عدم نقل القرائن الحالية والمقامية أو عدم الالتفات لها ، ومنها الحديث التالي : من بشّرني بخروج آذار فله الجنّة . ولد الزنا شرّ الثلاثة . اللّهمّ استجب لسعد . أفطر الحاجم والمحجوم ، ومثلها أيضاً عشرات الأحاديث الاُخرى . [1] هناك مثال بسيط يبيّن بكلّ وضوح تأثير قرائن مقام الحوار فيما نفهمه من الكلام . فلو فرضنا أنّنا نقرأ النصّ التالي فقط : «احزموا أمتعتكم ، واستعدوا للرحيل . فأمامكم سفر طويل . فتأهّبوا له وتزوّدوا فأمامنا عقبات كأداء وأراض موعرة . فمادامت الفرصة مؤاتية اليوم ، خذوا لهذا السفر عدّته» . لمن هذا النصّ؟ فهل هو خطاب ألقاه أمير قافلة إلى حجاج بيت اللّه الحرام قبل سنوات خلت؟ أو هو آخر وصايا قائد عسكري لجنوده؟ أم هو مواعظ ألقاها واعظ من فوق منبر خطابة؟ فنحن نلاحظ هنا أنّ معنى السفر هنا غير واضح ، وقد يكون المراد منه سفر زيارة أو سفر جهاد أو سفر آخرة . والّذي يعيّن نوع السفر هو مقام الحوار وجوّ التخاطب . وهذه المسألة أكثر ما تقع في النقل الشفوي ، إذ إنّ ناقل الخبر قليلاً ما يهتم
[1] أوردنا هذه الأمثلة في كتاب «روش فهم حديث» (منهج فهم الحديث) وشرحناها ، وبيّنّا على أساس القرائن المقامية معناها الأصلي . راجع باب : سَير فهم الحديث ، فصل : أسباب ورود الحديث .