وقال الأكثرون من غيرهم : صحيح محمدبن اسماعيل البخاري هو الأصح ، وما اتّفقا عليه ، هو ما اتّفق عليه الأمة ، وهو الذى يقول فيه المحدِّثون كثيراً : صحيح متّفق عليه ، ويعنون به اتّفاقهما ، لا اتفاق الأمة ، وان لزمه ذلك[1] ، واستدل ( السيوطي ) في الأزهار [المتناثرة في الأحاديث المتواترة ، في كثير من مواردها على الصحيحين ، ثم قال في تدريبه بعد كلام النووي : « اتّفاق الشيخين » وذكر الشيخ : يعني ابن الصلاح ( أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه ) قال : خلافاً لمن نفى ذلك ، محتجاً بأنه لايفيد إلا الظن ، وإنّما تلقته الأمة بالقبول[2] لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ .
وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويماً ، ثم بان لي أن الذي أخترناه أولاً هو الصحيح ، لأن الظن من هو معصوم من الخطاء لايخطئ ، والأُمة في][3]
[1] انظر « النكت على ابن الصلاح » لابن حجر 1 : 371 ، التقييد والإِيضاح : 41 ـ42 ، ومقدمة شرح مسلم للنووي : 20 ، ثمرات النظر في علم الأَثر : 131 . [2] أَمّا نسبة القول إِلى الأُمة بتلقيهم بالقبول في الصحيحين فإنَّه يتعيّن على المدعي إِقامة البرهان ، ولا يخفى إِنَّ اقامته على هذه الدعوى يعدّ أَمراً مستحيلاً ، لأن الأُمّة تتألف من قسمين :
الأَول : العامة من الناس وهم السواد الأَعظم .
الثاني : الخواص من الناس ، وهم العلماء والمجتهدون .
ومن البديهي أَنَّ القسم الأَول خارج عن دائرة البحث ، لأنَّ فيهم من لايعرف الصحيحين أَصلاً ، وخروج هذا العدد الكبير قد يضر بالاتّفاق كما لايخفى .
وأَما القسم الثاني : فمن العلماء والمجتهدين طائفة انتقدوا الصحيحين لاسيما صحيح البخاري وبيَّنوا موارد ضعفهما ، تارة في الإِسناد وأُخرى في المتون ، وقد ذكرنا أَسماء جملة من الناقدين في الفصل الرابع من التكملة فراجع .
ولا شبهة أَيضاً لدى الفقيه أَنَّ خروج هذه الطائفة من العلماء تضر بالاتّفاق المزعوم حقيقة. [3] ما بين المعقوفتين بياض في نسخة الأصل وقد وصلناها بقرينة سياق الكلام من كتاب « الأزهار المتناثرة » و« تدريب الراوي » للسيوطي .