و أمّا النظرية الثانية، و هي النظرية القائلة: بأنّ الميزان في الانحلال هو تقدّم أحد العلمين بنفسه، فالمدّعى في هذه النظرية: هو أنّ منجّز أحد أطراف العلم الإجماليّ بعلم إجمالي سابق يوجب انحلال العلم الإجماليّ المتأخّر، سواء كان بمعلومه - أيضا - متأخّرا أو لا، مثلا إذا علم في أوّل الظهر بنجاسة الإناء الأبيض أو الأسود، ثمّ علم في أوّل الغروب بنجاسة الإناء الأسود أو الأحمر، سواء كان علما بالنجاسة من الآن، أو من أوّل الظهر مثلا، فالعلم الإجماليّ الثاني منحلّ بتنجيز أحد طرفيه من قبل، و من المعلوم أنّ المدّعى هنا ليس هو الانحلال الحقيقيّ، إذ لا معنى لدعوى الانحلال الحقيقي للعلم الإجماليّ بمجرّد تنجّز أحد طرفيه بعلم إجمالي آخر، و إنّما المدّعى هو الانحلال الحكمي. و قد عرفت أنّه في الانحلال الحكمي يوجد على العموم مسلكان: أحدهما: مسلك المحقّق العراقيّ (قدّس سرّه): من أنّه مع تنجّز أحد الطرفين بمنجّز آخر لا يقبل المعلوم بالإجمال التنجيز بالعلم الإجماليّ على كلّ تقدير، فلا يمكن تأثير العلم الإجماليّ. و الآخر: نظرية مدرسة المحقّق النائينيّ (قدّس سرّه): من أنّه عند تنجز أحد الأطراف لا تتعارض الأصول، ففي ما نحن فيه يجب أن يكون ما قد يتوهّم من الانحلال على أحد هذين المسلكين: أمّا الانحلال على أساس المسلك الأوّل، فيمكن أن يتوهّم في المقام بلحاظ أنّ أحد الطرفين قد تنجّز من السابق بالعلم الأوّل، فلا يقبل التنجّز ثانيا، فلا يكون المعلوم بالعلم الثاني قابلا للتنجّز به على كلّ تقدير، فيسقط العلم عن التأثير. لكن التحقيق بعد غضّ النّظر عن بطلان هذا المسلك في نفسه: أنّه غير قابل للتطبيق على ما نحن فيه، و ذلك لأنّ العلم الإجماليّ في كلّ آن إنّما يؤثّر التنجيز بوجوده في ذلك الآن، و لا يكون وجوده في الآن الأوّل مؤثّرا للتنجيز في الآن الثاني، ففي وقت الغروب قد اجتمع على الإناء الأسود منجّزان في عرض واحد: أحدهما: العلم الإجماليّ الأوّل بوجوده البقائي، و الآخر: العلم الإجماليّ الثاني بوجوده الحدوثي، و ليس أحدهما قبل الآخر حتّى يرجّح في تأثيره على الآخر، فيصبح مجموعهما منجّزا واحدا لهذا الإناء الأسود، فكأنّ فكرة الانحلال على هذا الأساس مبنيّة على تخيّل أنّ العلم السابق بوجوده الابتدائي نجّز هذا الإناء، فهو منجّز بمنجّز سابق. و أمّا توهّم الانحلال على هذا الأساس عند وجود منجّز تفصيلي في أحد