الراوي معارضه (و ثانيها) التعليل بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه لوجوب الأخذ بالمشهور و طرح الشاذ النادر المعارض له لأن في المجمع عليه ريبا قطعا فلا بدّ أن يكون المراد بعدم الرّيب في الخبر المجمع عليه أي المشهور الرّيب الإضافي يعني أنّ الرّيب الّذي هو موجود في الشاذ ليس بموجود في المشهور فيدلّ على وجوب ترجيح كلّ ما كان أقلّ من صاحبه فإذا كان الواسطة في أحدهما ثلاثا و في الآخر اثنين كان في الأوّل ريب لا يوجد في الثاني و بذلك تنبّه في المنية و قد نقلنا كلامه في بيان الأدلّة و هكذا سائر المرجحات المذكورة في كتب القوم (و ثالثها) حديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن في كثير الاحتمال ريب ليس في قليل الاحتمال (و رابعها) ظهور كلمات القوم بل صراحتها في ذلك فإن المرجّحات الّتي ذكروها لا تفيد من الظنّ شيئا بل ذكروا أشياء غير ناظر إلى الواقع مثل جلب المنفعة و دفع المفسدة و غيرها ممّا لا طريقة له إلى الواقع حتى يستفيد الظنّ فليس إلاّ مجرّد كونه ممّا فيه ريب بالإضافة إلى معارضته و في الكل نظر أما في الأوّل فلأنّ الترجيح بالأعدلية المجرّدة غير وارد في النصّ الدال على الترجيح بالصّفات بل الوارد هو الترجيح بها إذا اجتمعت مع الأصدقية و الأفقهية كما في المقبولة أو مع الأوثقية القائمة مقام الأصدقية و الأفقهية و سائر الأوصاف المورثة للوثوق بالحكم المدلول عليه في المرفوعة فهي على خلاف المقصود أوّلا إذ لو كان المدار على صرف الأبعديّة و الأقربيّة لم يكن وجه المجمع بين تلك الأوصاف بل كان المناسب بل اللاّزم الاقتصار على أحدها ضرورة أنّه متى دار الأمر بين تخطئة العادل أو الأعدل كان الأوّل أولى و دعوى أنّ المراد بالواو العاطفة هو التردّد و التحير اللّذان هما مفاد أو مع بعدها عن مجاري الاستعمالات محتاجة إلى شاهد مفقود في المقام فلم يترك اليد عن ظاهر الواو العاطفة و لا تبقى على ظاهرها حتى تدلّ على اعتبار الوثوق و الظن بالصّدور و الحكم و لعمري إنّه لو لم يكن دليل على كون المدار على الظنّ سوى المقبولة و المرفوعة لمكان الواو لنهضنا بالمطلوب و أمّا الثاني فلما عرفت مفصّلا من أنّ حمله على نفي الرّيب الإضافي ممّا لا دليل عليه بل الدليل على خلافه للوجهين الماضيين فراجع و منه يظهر ما في الوجه الثالث من المنع لأن ظاهر الحديث هو الأخذ باليقين و لذا استدلّوا به على وجوب الاحتياط أو استحبابه فما أبعد بين ذلك و بين الاستدلال به على صرف الاحتمال الغير المفيد للظّنّ اللّهمّ إلاّ أن يستدلّ على الترجيح بالأقربيّة و الأبعديّة أو بقلّة الاحتمال لقاعدة الاحتياط الواجب في المقام و الأخذ بالقدر المتيقّن فإنّ هذا هو الأحوط بالقياس إلى التخيير الذي كلامنا فيه كما حققناه مفصّلا لكنّه موقوف على منع إطلاقات أدلّة التخيير فتأمل و أمّا الرابع فلأنّهم يعلّلون المرجحات الّتي ذكروها بأنّها تقيّد الظن فيكون صاحب المرجح أقوى و أظهر من معارضه و هذا التعليل صريح في كون المدار على الظنّ و لا يلتفت إلى إطلاقهم في تعداد المرجّحات أمّا أوّلا فلأنّ غرضهم بيان صغريات المرجّح لا بيان ما هو المناط في المقام و أمّا ثانيا فلأنّ ظهور العلّة هو المتبع دون إطلاق المعلول أو عمومه و الحاصل أنّ الأصل عدم المرجّح و الخروج عنه يحتاج إلى دليل قويّ و القدر الثابت من الإجماع الأخبار هو التّرجيح بالظنّ صدورا أو دلالة أو جهة لا بغيره من المناسبات و الاعتبارات الّتي لا تفيد الظنّ
المقام الرّابع في ترتيب المرجحات
و تقديم بعضها على بعض عند المعارضة و اختلاف المتعارضين في جهات الترجيح و التحقيق هنا أنّ المرجحات الدلالية تقدّم على الكلّ ما مر عدا مرجح الجهة أي مخالفة العامة فإنّ فيه تحقيقا يأتي فلا يعارض بها شيء من المرجحات السندية و لا المتنية إذا لم ترجع إلى قوة الدّلالة كما مر و لا المرجحات الخارجية الّتي تفيد الظنّ بالحكم كالشهرة و نحوها بناء على كون ظواهر الألفاظ حجة من باب الظن النوعي الغير المشروط بشيء حتى عدم الظّن بالخلاف إذ مع رجحان أحد الدليلين على الآخر في الدلالة لا تأتي أدلّة اعتبار سائر المرجحات لأنّ دليل اعتبارها إمّا الإجماع و إمّا العقل و شيء من ذلك لا ينهض بالترجيح مع كون أحد المتعارضين أقوى دلالة من الآخر و أمّا الإجماع فلأن العلماء صرّحوا بأن الجمع مهما أمكن مقدم على الطّرح معيّنا أو مخيرا و أرادوا بالجمع ارتكاب التأويل فيهما أو في أحدهما سواء ترتب على المؤوّل حكم عملي أم لا و احتمال اختصاصه بالأوّل لأنّ التّأويل بدون العمل ليس عملا بدون الدليل مدفوع بأن بعض أدلّة الجمع و إن اقتضى ذلك لكن الغرض من الجمع تصديق المخبرين في الصّدور و عدم تكذيب أحدهما و هو حاصل بالثاني أيضا و لذا صرّحوا بأنّ الحمل على التقية أيضا جمع بين الخبرين و قد سبق في تأسيس قاعدة الجمع في أوّل الباب و تقديمها على التراجيح بحذافيرها ما لا مزيد عليه و أمّا العقل فواضح و أمّا الأخبار فقد ذكرنا أيضا أن موردها تحير الناظر السّامع للمتعارضين في أمر و مع كون أحد المتعارضين أقوى دلالة من الآخر لا تحير له فإن ضعيف الدلالة في جنب قوي الدلالة عند العرف يجري مجرى ظني الدّلالة في قبال قطعي الدلالة و لا تأمّل لأحد في تأويل الظني إلى القطعي حسبما شرحناه و فصّلناه سابقا تفصيلا لا يتوقع فوقه و ليس الغرض هنا إنشاء الكلام في تحقيق ذلك بل الإشارة الإجمالية و الحوالة على ما تقدم و أمّا سائر المرجحات فالمدار فيها على القوة و الضعف ثمّ العمل بالأقوى و يتحقق القوة بالظنّ الفعلي إذ الظن النوعي لا معنى له في غير المرجحات المنصوصة (توضيحه) أنا إذا فرضنا أحد الخبرين عالي السّند و كان الآخر واجد المرجح أخر غيره كأعدلية الرّاوي أو شيء آخر من المرجحات الّتي ذكرها القوم غير المنصوص وجب مراعاة