و من ذلك عمومات القصاص و عمومات نفي الحرج و نفي الضّرر و الحاصل أنّ أصالة عدم الاشتراك مثلا إذا كان السّر في اعتبارها ندرة الاشتراك سقط عن الاعتبار و لزم العدول عنها إذا استلزم العمل بها ارتكاب أمر أندر كالنقل لأنّ ندرته حينئذ أمارة شخصيّة على ثبوت الاشتراك و قضية ذلك عدم الاعتناء بأصالة عدم الاشتراك عند الدّوران بينه و بين النقل مثلا و البناء على أصالة عدم النقل و الحكم بثبوت الاشتراك لكن قد عرفت فيما سبق ترجيح النقل في كثير من صور الدّوران الّتي تقضي العادة و الغلبة فيها بثبوت النقل و على هذا نفس سائر صور الدّوران الرّاجعة إلى الشكّ في حال اللّفظ في العرف و اللّغة أو يقال إنّ الدليلين المتعارضين إذا كان أحدهما أقوى و أرجح بالرّجحان الدّاخلي القائم بذات الدّليل وجب الأخذ به بحكم العرف و العقلاء سواء كان الأصل في صورة التكافؤ هو التوقف أو التخيير فليتدبر أو يقال إنّ بناء أهل اللّسان على التعويل على الغلبة في استكشاف المرادات إذا لم يكن العمل بها سببا لترك اليد عن أصل الحقيقة كما في المجاز المشهور و لذلك يحملون المطلقات على الأفراد الشائعة الغالبة في الاستعمال و المشترك على أشهر معانيه و يحكمون بتعين المجاز الغالب عند تعذر الحقيقة و هو جيّد إلا أن يقال إن وجه الاعتداد بها في هذه المواضع صيرورة اللّفظ بملاحظتها من الظواهر العرفية في المعنى الغالب فلا يجري في المقام و إن كان متعلّقا باستكشاف المراد كما لا يخفى و اللّه الهادي إلى كلّ صواب
تذنيب
قد أشرنا سابقا إلى أنّ التعويل على المرجّحات المزبورة إنّما هو مع قطع النظر عن المرجحات الشخصيّة الموجودة في الكلام و إلاّ فقد يترجح المرجوح على الراجح نوعا بملاحظة خصوصيّة المرجوح النوعي الموجودة فيه مثلا إذا دار الأمر بين التخصيص و المجاز الشّائع قدم المجاز على التخصيص و إن كان التخصيص في نفسه أرجح سواء قلنا في المجاز المشهور بالتوقف أو قلنا بظهور اللّفظ في المعنى المجازي لأنّ التوقف إنّما هو في صورة عدم المعارضة مع غيره و إلاّ فلا بدّ من الحمل على المجاز احترازا عن ارتكاب خلاف أصل آخر (و إن شئت قلت) إنّ أصالة العموم حينئذ رافعة لإجمال المجاز المشهور على القول به فما ذكره بعض من عدم التقديم على هذا القول ليس على ما ينبغي و كذا إذا دار الأمر بين التخصيص القبيح و المجاز مثل ما إذا قال أكرم الناس و علمنا بخروج العلماء من عموم الناس أو بمجاز في لفظ العام أو في غيره و مثله ما يستهجن عرفا من التخصيصات كالتخصيص بالأكثر و هذا واضح لكن لا بدّ أن يكون ذلك الرّجحان الشخصي من سنخ الظّهور اللّفظي بأن يكون مفيدا للظنّ بنفس الرّاجح لا بمضمونه فلو دار الأمر بين التخصيص و المجاز و حصل الظّن بمطابقة الحكم المبني على التجوّز للواقع من أمارة خارجية كالشهرة و الاستقراء و الأولوية و نحوها لم يجز به بترجيح المجاز على التخصيص لأن التخصيص قد ثبت رجحانه نوعا و فرضنا حجيّته في مقام الترجيح فلا يصار عنه إلا بدليل آخر يوجب مزية في الطّرف المقابل و المفروض عدم حصولها و إن حصل لمضمونه رجحان على مضمون التخصيص و هذا الكلام أيضا مبني على ما أسلفنا من أن ظواهر الألفاظ سواء كان في مقام الاستدلال أو في مقام الترجيح لا يناط اعتبارها بالظّن الفعلي أو بعدم الظّن بخلاف مؤدّياتها في الواقع (و من هنا) أمكن القول بعدم اعتبار الرّجحان الشخصي إذا لم يكن رجحانا في العرف و لو كان متعلّقا بنفس المرجوح لا بمضمونه مثل ما إذا ترجح المجاز على التخصيص بما لا يرجع إلى كونه راجحا عند عامة العرف بل بسبب أمارة غير معتبرة حاصلة لخصوص المخاطب بالنّظر إلى حال المتكلّم و نحوها فإنّ تقديم المجاز حينئذ على التخصيص لا يخلو عن إشكال بعد ما كان التخصيص عند العرف أرجح من المجاز نوعا اللّهم إلاّ أن يفرق بين المقامين و يلتزم في مقام الترجيح بأن المدار على حصول صفة الظّن من أيّ شيء حصل و حينئذ فلا بدّ من الأخذ بذلك المرجح الشخصيّ و هذا ليس بعيدا إذ الظّاهر أنّ حجيّة ظواهر الألفاظ ليست حالها كحال حجيّة المرجحات النوعيّة من حيث إناطة الحجيّة بصفة الظن و عدمها نعم الظن بالمضمون من دون السّراية إلى نفس الحالة المرجوحة لا عبرة به ظاهرا (ثمّ) إنّ ما ذكرنا من لزوم مراعاة الرّجحانات الشخصيّة الموجودة في خصوصيات الموارد و جزئيات الكلام لا يجري في النّسخ و ذلك مبني على عدم ثبوت النّسخ بغير دليل علمي كالقرائن باعتبار الملازمة الثابتة بينه و بين التواتر لتوفّر الدّواعي على النقل فلو بنينا على إمكان ثبوته بالدليل الظّني كان حالها كحال غيرها في إمكان رجحانه بالمرجحات الخاصّة و ربما يؤيّد الأخير الإجماع ظاهرا على جريان أصالة عدم النّسخ لأنّ البناء على عدم ثبوت النسخ إلاّ بالإجماع أو التواتر يمنع عن صيرورته مجرى للاستصحاب كما لا يخفى (و اعلم) أنّ الوجوه المخالفة للأصل ليست منحصرة في السّبعة المعروفة فإنّ الكناية أيضا مخالف للأصل مع خروجها عنها و إذا لاحظتها مع تلك الوجوه السّبعة زاد على المسائل المذكورة سبع أخرى و لم أجد أحدا متعرضا لحكم الدّوران بين الكناية و غيرها و نحن قد تكلّمنا بعض الكلام في ذلك البحث عن الكناية في تعريف الحقيقة و المجاز فارجع إلى هناك كما تكلّمنا في حكم تعارض الأصول اللّفظية مع الأصول الراجعة إلى جهة الكلام كالسّلامة عن السّهو و النسيان و الخطإ و الإكراه و التقية و الكذب عن مصلحة داعية إليه مخرجة له عن القبح ثمّ لو جعلنا التضمين حقيقة كان خلاف أصل آخر أيضا غير المجاز فزيد على الأقسام ثمانية أخرى أيضا و تعرف حكمها من التأمّل فيما ذكرنا في مسائل الدّوران و لعلّنا نتكلّم بعض الكلام في حقيقة التضمين في استعمال اللّفظ في المعنيين فارتقب عن قريب إن شاء تعالى ثمّ إنه قد يتحقق التعارض بين أمور غير مخالفة كتعارض العرف و اللّغة أو تعارض العرفين و يأتي الكلام فيهما إن شاء الله تعالى بعد الإشارة إلى تلك الوجوه و اللّه الهادي
بديعة [الكلام في انقسام الحقيقة إلى اللغوية و العرفية]
تنقسم الحقيقة بملاحظة الوضع لا الواضع إلى حقيقة لغويّة و عرفية عامة و خاصة و المراد