في لفظ واحد سواء اتحد الحكم كما في الآية السّابقة أو اختلف كما إذا ورد أكرم الشعراء و علم عدم وجوب إكرام بعضهم كالجهّال على تقدير كون المراد بالشّعراء معناه المعروف و وجوب إكرامهم جميعا على تقدير كون المراد به العلماء مجازا و الظّاهر عدم الإشكال في ترجيح التخصيص هنا خلافا للفاضل المتقدم حيث قال فيه بالتوقف و الدّليل على رجحان التخصيص أغلبيّته بالنّسبة إلى سائر أنواع المجاز حتى اشتهر أنّه ما من عام إلاّ و قد خصّ و قد يعارض بما اشتهر أيضا من أن لغة العرب أغلبها مجازات و فيه (أوّلا) أنّ المراد بالمجاز هنا معناه الأعمّ الشامل للتخصيص و لا منافاة بين غلبته و غلبة خصوص التخصيص بل تؤكّده من باب تعاضد الغلبة الجنسيّة و النوعيّة (و ثانيا) أنّ المراد كونها أغلب بالنّسبة إلى الحقائق لا بالنسبة إلى ما سواه (ثمّ) إنّ المراد بغلبة التخصيص أنّ غالب العمومات مخصّصة لا أنّ أغلب وجوه مخالفة الظّاهر هو التّخصيص حتى يتجه ما قيل من أن القدر المسلم من الغلبة غلبة التخصيص في العمومات لا في كلمات المتكلّمين إذ النافع في المقام هو الأوّل و إن كان ألفاظ العموم أو استعمال العمومات في المحاورات في غاية القلّة (و ذلك) لأنّه إذا ورد عامّ يظن من جهة غلبة تخصيص العمومات كونه من الأفراد الغالبة و لا يصادمه كون الألفاظ المستعملة مجازاتها أغلب من عموماتها المخصّصة لأنّ هذه الغلبة لا تفيد الظنّ بالمجاز المردّد بينه و بين التخصيص و إنّما يظنّ به إذا كان مجازات المحاورات أكثر من حقائقها و قد عرفت منع ذلك في ردّ ابن جنّي و أمّا منع حجية هذه الغلبة كما فعله الفاضل المتقدّم فسيأتي الجواب عنها في المرحلة الثالثة إن شاء الله تعالى (و منها) الدّوران بينهما في لفظين في خطاب واحد كما إذا دار الأمر بين ارتكاب التجوز في مادة أكرم أو هيئته في قول القائل أكرم العلماء و ارتكاب التخصيص في العلماء و الكلام فيه ما مرّ و خلاف المحقق الخوانساري محكي في هذه الصّورة و لعلّة متوقف في الصّورة السّابقة أيضا لعدم الفرق بينهما فيكون ذكر هذه الصّورة تمثيلا لا تخصيصا و يمكن الفرق بينهما بملاحظة الغلبة لأنّ المجاز في لفظ العام ليس على حدّه في غيره من حيث الغلبة فلا بعد في القول بالتوقف في الثّاني دون الأوّل (و منها) الدّوران بينهما في خطابين و هو على ضروب منها ما يرجع إلى مسألة ورود العام و الخاصّ المتنافي الظّاهر مثل قول القائل أكرم العلماء و لا تكرم العالم الفاسق حيث إنّ التنافي بينهما يرتفع بأحد أمرين تخصيص العلماء بغير الفاسق و حمل النّهي على الكراهة و لم أجد مصرحا بعدم ترجيح التخصيص هنا حتّى إنّ الفاضل المتقدّم اعترف هنا بترجيح التخصيص لكنّه زعم خروجه عن أقسام الدّوران بين التخصيص و المجاز و لعلّه لإطباق العوام و الخواص في محاوراتهم عليه كما تقرّر ذلك في مسألة بناء العام على الخاصّ و ربما يظهر من توقف صاحب المعالم في ترجيح التقييد على المجاز على ما يقضي به ظاهر كلامه في حمل المطلق على المقيد المتوقف في العام بطريق أولى و كيف كان فالأمر فيه أظهر من جميع الفروض لأنّ أصالة الحقيقة في الخاص حاكم على أصالة الحقيقة في العام لقاعدة التّسبيب و لأنّ اعتبار أصالة العموم معلّق على عدم مجيء الدّليل على التخصيص فبعد ورود المخصّص الظنّي المعتبر يرتفع مجرى أصالة العموم و لا فرق في ذلك بين أن يكون العمل بالعام للتعبّد بأصالة عدم المخصّص أو الظّهور النّوعي لأنّ الظّنون النّوعية أيضا قد يكون اعتبارها عند العقلاء تعليقيّا كالغلبة فلا محال لها بعد وجود المعلّق عليه و الفرق بينه و بين الغير المعلّق يظهر عند التعارض فإن المعارضة لا توجب سلب الحجيّة عن الأحد المعيّن من المتعارضين إلا إذا كان اعتباره معلّقا على عدم معارضة دليل و بقية الكلام يأتي في مسألة بناء العام على الخاصّ (و منها) أن يتعارض حديثان و لم يندفع إلاّ بارتكاب تخصيص في أحدهما أو تجوّز في الآخر و ربما يظهر من بعض خروجه عن محلّ الكلام و وجهه غير واضح نعم فرق بينه و بين سابقه من حيث وضوح الحكم في السّابق و خفائه هنا لأنّ الوجوه المشار إليها لا يأتي شيء منها في المقام فلا بدّ من الاستناد في ترجيح التخصيص إلى الغلبة كالصّورة المتقدّمة و الكلام في جواز التعويل عليها يأتي إن شاء الله تعالى و منها أن يتعارض الحديثان و كان أحدهما مشتملا على عام مخصّص و الآخر على مجاز غير التخصيص على وجه لا يرجع وجه التعارض إلى الدّوران بين التخصيص و المجاز بأن
يرتفع بارتكاب أحدهما و هذا لا مساس له بالمقام لأنه ليس من الدّوران بينهما و ذكر بعض الأفاضل إيّاه في أقسام الدّوران محلّ التعجب و المرجع فيه ما هو المرجع على تقدير عدم اشتمالها على التخصيص و التجوّز و تخيل كون الترجيح لما هو فيه عامّ مخصّص اشتباه في اشتباه لأنّ هذا الترجيح على تقدير ثبوته يرجع إلى ترجيح الصّدور و أيّ ربط له بالمقام مع أنّ الرجحان بذلك أمر لا ينبغي أن يتوهّم لأن غلبة التخصيص بالنّسبة إلى المجاز لا يفيد الظنّ بعدم صدور الخطاب المشتمل على المجاز و لو مع العلم بعدم صدور أحدهما إجمالا فتدبّر
المسألة التاسعة الدّوران بين التخصيص و الإضمار
قيل و المعروف أنّهما بمكانة واحدة و فيه تأمّل نعم ظاهر كلام الأكثر بناء ترجيح التخصيص على الإضمار على مساواة الإضمار و المجاز فإن ثبت ترجيح الإضمار على المجاز كما في المنية كان بمكانة واحدة عند الأكثر و الحق رجحان التخصيص للغلبة سواء قلنا بمساواة الإضمار و المجاز أو ترجيح الإضمار مثاله قوله (صلى اللَّه عليه و آله) لا صيام لمن لم يجمع الصّيام من اللّيل فإنّ المراد بالصّيام الطّبيعة الشّاملة للفرض و النفل فإن أضمرنا و قلنا إنّ المراد نفي الكمال فهو و إلا لزم التخصيص لخروج التطوّع المجمع على صحّته مع عدم التبييت و الثمرة هو وجوب التّبييت في الصّوم الواجب على الثّاني دون الأوّل (أقول) في هذا التمثيل نظر من وجهين (أحدهما) أنّ الشك في التخصيص هنا