والشدة فان بملاحظة دليل من دون فحص قد يحصل نوع اعتقاد ثم إذا فحص ولو لم يكن غاية ما يكن يزيد الاعتقاد وإذا فحص غايته يصير اشد وليس شئ منها بالاختيار فمن قصر في السعي واعتقد شيئا بقليل فحص يكون هو نتيجة فحصه فلا معنى لحرمة هذا الاعتقاد نعم يمكن ان يقال انه مؤاخذ في الاقتصار على الفحص وهو امر اخر غير الاعتقاد بل لا وجه لحرمة الفعل ايضا إذ لا حرمة في الفعل نفسه من حيث هو ولذا لا يحرم مع عدم اعتقاد الشرعية ولا مع عدم اعتقادها الحاصل بالفحص ولا في هذا الاعتقاد لانه امر لازم حاصل من ملاحظة الدليل فلم يكون جمعهما حراما مع انه لا يقارن الفعل حينئذ من الاعتقاد ازيد مما اقتضاه فحصه وسعيه نعم قد يعرض للفعل جهة محرمة لولا ثبوت الشرعية من غير جهة الاعتقاد وهو امر اخر ويحرم الفعل سوآء اعتقد الشرعية ام لا كقول امين في الصلوة ان لم يكن دعاء وكالتكلم بالفارسية في القنوت حيث ان الاصل حرمة التكلم في الصلوة بغير ما ثبت جوازه بخلاف ما إذا لم يكن الفعل في نفسه كذلك كترك قرائة الشعر في الصوم فانه لا يحرم مع عدم اعتقاد الشرعية قطعا فكذا لو اعتقده نوع اعتقاد ولو لاجل ذلك الاعتقاد وثانيا ان المكلف اما يلتفت الى انه مقصر ويخطر ذلك بباله اولا فعلى الاول لا يحصل له الاعتقاد وعلى الثاني لا وجه للحرمة فان قيل الفعل في نفسه وان لم يكن حراما ولا ذلك الاعتقاد ولا الفعل المقارن لهذا الاعتقاد ولكن يحرم الفعل لاجل هذا الاعتقاد حيث ان منشاء الاعتقاد ليس دليلا شرعيا فجعله دليلا والاتيان بالفعل لاجله محرم قلت ان اردت بجعله دليلا التلفظ بانه دليل فهو ليس بامر محرم وان اردت اعتقاد كونه دليلا فحصول الازيد مما يقتضيه هذا الدليل محال كما ان تخلف ما يقتضيه ايضا كذلك فان قلت يدخل في التشريع والبدعة قلنا لا نسلم ومن اين علم صدق البدعة المحرمة على مثل ذلك مع انه لا يزيد اعتقاده عما يقتضيه دليله فانه إذا اتى احد بالقنوت في الركعة الاولى لا من جهة قول الشارع بخصوصه بل من جهة كونه دعاء وجواز الدعاء في الصلوة مطلقا يكون جايزا قطعا وكذا إذا اتى به لاجل حديث دل عليه ولم يجد له معارضا مقاوما بزحمه بعد الفحص ولو وجد حديثا واحتمل له معارض ولم يفحص عنه فانه لا يقنت في الاولى حينئذ الا باعتقاد وروده من الشرع ورودا مجوزا له المعارض ومحتملا عنده عدم تماميته فلم يكون ذلك حراما وسببية هذا الحديث لا تمكن ان تكون تامة عنده قطعا هذا كله مع ان الانظار متفاوتة جدا فحكم المجتهد بان كل من افتى بذلك مع اعتقاد شرعيته فهو مقصر لا وجه له إذ قد يكون المأخذ واضحا عند واحد خفيا عند اخر بل كثيرا ما ترى المسألة مجمعا عليه بل ضروريا عند واحد وعلى خلاف ذلك عند اخر والتحقيق ان كل فعل لم يثبت من الشرع لا يمكن الاتيان به باعتقاد انه من الشرع ولكن يمكن فعله بازآئة انه من الشرع أو جعله شرعا للغير وهو تشريع وادخال في الدين وان لم يعتقده المشرع وهذا هو البدعة ولذا يطلق البدعة على ما ابتدعه خلفاء الجور كالاذان الثالث يوم الجمعة وغسل الرجلين وتثليث غسل الوجه في الوضوء وصلوة الضحى والجماعة في النوافل ونحو ذلك مع انهم ما كانوا يعتقدون ثبوته من الشارع وانما ادخلوه في الدين ادخالا بل وان اعتقدوها ايضا وبالجملة المناط في الابتداع والتشريع والادخال في الدين وضع شئ شرعا للغير وجعله من احكام الشارع له لا لنفسه لانه غير ممكن فالبدعة فعل قرره غير الشارع شرعا