المفترين عليه و المتخرصين في دينه ما لم يأمر اللّه به، عطف علي ذلک، فقال «وَ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِن بَعدِها وَ آمَنُوا» و هي جمع سيئة و هي الخصلة الّتي تسوء صاحبها عاقبتها، و هي نقيض الحسنة، کما أن الاساءة نقيض الإحسان «ثُمَّ تابُوا مِن بَعدِها وَ آمَنُوا» يعني رجعوا الي اللّه تعالي بعد فعلهم السيِّئة و ندموا عليها و عزموا علي أن لا يعودوا الي مثلها في القبح، و آمنوا بما أوجب اللّه عليهم أجمع «إن ربك» يا محمّد «من بعدها» يعني من بعد السيئة «لغفور رحيم» يعني يغفرها لهم و يسترها عليهم، لرحمته بعباده.
و قد بينا فيما مضي أن التوبة الّتي أجمعوا علي سقوط العقاب عندها هي الندم علي القبيح، و العزم علي أن لا يعود الي مثله في القبح، و في غيرها خلاف، يقال: تاب يتوب توبة و (تاب اللّه عليه) بمعني وفقه للتوبة علي الدعاء له، و (تاب عليه) أيضا: بمعني قبل توبته، و التوبة طاعة يستحق بها الثواب بلا خلاف و يسقط العقاب عندها بلا خلاف، إلا أن عندنا يسقط ذلک تفضلا من اللّه تعالي بورود السمع بذلك و عند المعتزلة العقل يوجب ذلک.
فإن قيل كيف قال «تابُوا مِن بَعدِها وَ آمَنُوا» و التوبة هي إيمان!
قلنا عنه ثلاثة أجوبة:
أحدها- تابوا من بعد المعصية و آمنوا بتلك التوبة.
الثاني- استأنفوا عمل الايمان.
الثالث- آمنوا بأن اللّه قابل التوبة. و قيل: إن الآية نزلت فيمن تاب من الّذين كانوا عبدوا العجل، فإنهم تابوا و ندموا، و أكثرهم تعبدهم اللّه بأن يقتلوا أنفسهم فقتل بعضهم بعضاً، و استسلموا لذلك، فقتل في يوم واحد سبعون ألفاً ثم رفع عنهم ذلک و قبل توبتهم.
وَ لَمّا سَكَتَ عَن مُوسَي الغَضَبُ أَخَذَ الأَلواحَ وَ فِي نُسخَتِها هُديً وَ رَحمَةٌ لِلَّذِينَ هُم لِرَبِّهِم يَرهَبُونَ (154)