رسول اللَّه ... فصاحب سيف حقّ وسياسة مدنية ... وزراؤه الذين استوزرهم اللَّه
من الأعاجم، ما فيهم عربيّ لكن لا يتكلّمون إلّابالعربية» [1].
فهل العالم الزاخر بأشكال الظلم والجور يمكنه أن يمتليء بالعدل والقسط بدون
وجود حكومة مقتدرة تتكفّل هذا الأمر؟ وهل إقامة العدل والقسط واستمراره في واقع
المجتمع البشريّ يتيسّر بدون تشكيل حكومة مقتدرة؟
على أيّة حال، فإنّ كلّ واحد من هذه الأدلّة المذكورة في هذا البحث يدلّ
بمجرّده على اقتران الإسلام بمسألة الحكومة والسياسة، ومعلوم أنّه إذا ضممنا كلّ
هذه الأدلّة إلى بعضها فإنّ المطلوب سيتجلّى بشكل أوضح.
8. اقتران الفقه الإسلامي بالحكومة بشكل كامل
إنّ ملاحظة مجموعة الأبواب والمسائل الفقهية من البداية إلى النهاية، أي من
كتاب الطهارة إلى كتاب الديات، يقودنا إلى اكتشاف هذه الحقيقة وهي أنّ مسألة
الحكومة متوغّلة في عمق هذه المسائل الفقهية بحيث لا يمكن فصل الفقه الإسلاميّ عن
مسألة الحكومة.
إنّ قسماً مهمّاً من الفقه الإسلامي يبحث عن الوظائف الأصلية للحكومة
الإسلامية، والبعض الآخر الذي يبحث خارج دائرة الحكومة فإنّه يعتبر ناقصاً أو
يمثّل بحوثاً هامشية.
إنّ تقسيم المسائل الفقهية إلى عبادات ومعاملات وسياسات وتقسيمات مشابهة لها
كان موجوداً في الكتب الفقهية ومتداولًا بين الفقهاء من قديم الأيّام يعتبر شاهداً
آخر على هذا المعنى.
بالرغم من أنّ فقهاء أهل البيت عليهم السلام وأهل السنّة ذكروا تقسيمات مختلفة
للمسائل الفقهية في كتبهم [2]، ويمكن ملاحظة ارتباط الفقه مع الحكومة من خلال هذه
التقسيمات، ولكنّ التقسيمات التي قرّرها العلماء والفقهاء المعاصرون، تكشف بصورة
أوضح العلاقة الوثيقة بين الفقه ومسائل الحكومة وإدارة المجتمع، ونشير هنا إلى بعض
النماذج، منها:
أ) اطروحة آية اللَّه الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر
فقد تحرّك الشهيد الصدر في كتابه «الفتاوى الواضحة» إلى تقسيم البحوث الفقهية إلى أربعة مجاميع: