و منه يظهر الكلام في مجانينهم و انّ ما يوجب هتكهم و كشف سرّهم و عيبهم و لو
كانوا مجانين مشكل جدّا.
المقام الثّالث: في المستثنيات من الغيبة
و هي على نحوين: تارة بعنوان عامّ، و اخرى بالخصوص.
و أمّا الأوّل: فله بيانان، الأوّل: درج المسألة في قاعدة «الأهمّ و المهم»
فكلّما كانت هناك مصلحة أهمّ من مفسدة الغيبة تكون جائزة، كما هو كذلك في جميع
المحرّمات، كأكل الميتة المحرّمة للاضطرار.
و لكن عدّ هذا من المستثنيات بعيد، لأنّه من قبيل العناوين الثانوية، و
المستثنى ما كان من العناوين الأوّلية للموضوع، كاستثناء وجوب القصر على من نوى
عشرا، اللهمّ إلّا أن يقال: لا فرق بينهما كما ذكر في آية حرمة الميتة إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ ....
و على كلّ حال أصل الحكم ليس فيه إشكال أصلا.
نعم هنا إشكال آخر، و هو ما قد يقال: أ ليس هذا من قبيل قول بعض المذاهب
الفاسدة:
«الغاية تبرّر الوسيلة»؟
قلنا: كلّا، إنّهم لا يقولون بأنّ الأهداف العالية تبرّر الوسائل الضعيفة، بل
هم قائلون بأنّ الغاية كيفما كان تبرّر الوسيلة كيفما كانت، من دون ملاحظة قاعدة
الأهمّ و المهم، و لذا ليس عندهم استثناء و قيد في ذلك، و عملهم شاهد عليه فيما
إذا وقعت بعض منافعهم الشخصية في خطر، فيجوّزون قتل الأبرياء و نهب الأموال و
غيرها لبعض منافعهم غير المشروعة.
الثّاني: ما عن المحقّق الثاني رحمه اللّه: إنّ ضابط الغيبة المحرّمة كلّ فعل
يقصد به هتك عرض المؤمن، أو التفكّه به، و إضحاك الناس منه، أمّا ما كان لغرض
صحيح، فلا يحرم كنصح المستشير و غيره.
هذا، و فيه إشكال ظاهر بعد ما عرفت من عدم اعتبار قصد الانتقاص في معنى
الغيبة، بل القصد حاصل قهرا، فهذه المستثنيات بناء عليه خارجة عن الموضوع لا عن
الحكم.
و الإنصاف أنّه ليس كذلك، و الموضوع حاصل، و الاستثناء من الحكم.
أمّا ما ذكر بالعنوان الخاص (بل قد يقال بخروجه و لو لم تكن هناك مصلحة أهمّ)
فأمران: