الثّاني: قد عرفت عدم اعتبار قصد المذمّة و الانتقاص في مفهوم الغيبة و حكمها،
و إنّما المدار على كشف الستر عن بعض العيوب بما يوجب هتك المؤمن و التعرّض لعرضه،
و ذلك لتظافر ما عرفت من الروايات الدالّة عليه و إشعار الآية به لذكرها بعد سوء
الظنّ و التجسّس، و تصريح بعض أهل اللغة به، و إن صرّح بعضهم كالشهيد الثاني قدّس
اللّه نفسه الزكية باعتبار قصد الانتقاص.
هذا مضافا إلى أنّه لو كان ذكره بما فيه من العيوب الخفيّة كان قصد الانتقاص
فيه قهريا، نظير ما مرّ في باب الإعانة على الإثم إذا باع عنبه ممّن يعلم أنّه
يعمله خمرا، فإن قصد الإعانة فيها قهري أيضا.
أمّا إذا لم يكن العيب مستورا، فلا يخلو عن أحد امور:
1- يتكلّم به بقصد الذمّ و الانتقاص كأن يقول: انظر إلى هذا الأعمى المفلوج،
أو إلى هذا المجرم النجس، و لا ينبغي الشكّ في حرمته لا من جهة شمول أدلّة الغيبة،
بل لأنّه هتك المؤمن، مضافا إلى إيذائه لو سمعه، و شمول أدلّة التعيير له لو قلنا
بحرمة تعيير المؤمن مطلقا.
2- ما إذا لم يقصد الذمّ، و لكن كان من الألقاب المشعرة بالذمّ، كما هو معمول
بين من لا يبالون بأمر الدين، و هذا أيضا حرام لدخوله في أدلّة حرمة التنابز
بالألقاب.
3- إذا لم يكن من هذه الألقاب و لا قصد الانتقاص، بل و لا يترتّب عليه هذا
العنوان قهرا، كما إذا كان في مقام ذكر العلاقة، من قبيل ما لو سئل عن زيد فقال:
أي زيد؟ الأعمى أو البصير؟ و غير ذلك من أشباهه.
بقى الكلام فيما إذا كان العيب ظاهرا لغالب الناس، و لكن كان مستورا عن شخص
المخاطب، فهل هو ملحق بالغيبة، أو لا؟ لا يبعد عدم كونه غيبة و ان كان الأحوط
الاجتناب، و ذلك لعدم شمول تعريفها له، و لا أقل من الشكّ.
الثّالث: لا بدّ فيها من وجود مخاطب، و إلّا فمجرّد حديث النفس غير كاف، لعدم
كونه كشف ستر.
الرّابع: لا تفاوت بين ذكر العيوب المستورة في كونها غيبة، و قد أشار شيخنا
الأعظم إلى