نهى فيها عن ثلاثة أشياء كلّ واحد علّة للآخر في الحقيقة، و هي الظنّ السوء،
ثمّ التجسّس، ثمّ الغيبة، و فيها أبلغ تشبيه بالنسبة إلى قبح الغيبة و حقيقتها، من
حيث هتك الأعراض، حيث شبّه اللّه تعالى عرض المؤمن بلحمه، و غيبته بأكل لحمه، و
كونه على ظهر الغيب بكونه ميّتا، و اعتمد على تنفّر الطباع منه، كي يبعثهم على ترك
هذه المعصية الكبيرة بمقتضى عقولهم، ثمّ أكّده بالأمر بالتقوى الباعث على كلّ خير،
و ترك كلّ شرّ، ثمّ أمر بالتوبة تلويحا، و وعد قبولها بما يجلب القلوب إلى امتثال
هذا الحكم.
و قد استدلّ بآيات اخرى لا دلالة لها على المطلوب، أو تكون أعمّ منه فالأولى
صرف النظر عنها.
و من الإجماع بما هو ظاهر للكلّ، بل لعلّ حرمتها من ضروريات الدين، يعرفها كلّ
من عاشر المسلمين، و لو برهة قليلة من الزمان.
و من العقل بأنّها ظلم ظاهر لما فيها من هتك العرض و إهانة المؤمن و تحقيره،
بل و إيذائه إذا بلغه، و فيها مفاسد كثيرة مضافا إلى ما ذكر، و هي بثّ العداوة و
إشعال نيران البغضاء، و سلب اعتماد الناس بعضهم ببعض، و أي إنسان لا يخلو عن عيب؟
فإذا كانت العيوب مستورة كان الاعتماد و الاخوّة بينهم حاصلة، و إذا هتكت الستور
تفرّقوا و اختلفوا، و انحلّت عرى الاخوّة، مضافا إلى ما فيها من أسباب العداوة و
البغضاء، بل قد توجب سفك الدماء.
و قد تكون إشاعة للفحشاء و سببا لجرأة العاصي على العصيان.
و سبب الغيبة امور كثيرة كلّها من الموبقات: منها الحسد و الحقد و الكبر و
البخل و السخرية و غير ذلك ممّا ذكر في محلّ من علم الأخلاق، عصمنا اللّه منها
بحقّ محمّد و آله الأطهار من هذه الكبيرة الموبقة.
أمّا السنّة: فهي روايات كثيرة جدّا، منها ما يدلّ على أنّها أشدّ من الزنا،
لأنّها حقّ الناس و الزنا حقّ اللّه، مثل:
1- ما رواه محمّد بن الحسن (في المجالس و الأخبار) باسناده عن أبي ذرّ عن
النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في وصيّة له قال: «يا أبا ذرّ إيّاك و الغيبة،
فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا»، قلت: و لم ذاك يا رسول اللّه؟ قال: «إنّ الرجل يزني
فيتوب إلى اللّه فيتوب اللّه عليه، و الغيبة لا تغفر حتّى تغفرها صاحبها» [1].
[1]. وسائل الشيعة، ج 8، ص 598، الباب
152، من أبواب أحكام العشرة، ح 9.