صاحب الحدائق نفسه: «بل هو في غاية البعد لعدم الدليل عليه».
هذا و قد عرفت أنّ النياحة المتعارفة في مجالس العزاء لا تدخل في عنوان
الغناء، لعدم كونها صوتا لهويا مناسبا لمجالس أهل الفسوق و العصيان، فكأنّهم رأوا
للغناء معنى عاما يشمل كلّ صوت حسن كما يظهر من بعض أهل اللغة، فذكروا هذا مستثنى
عنه، أو استثناء الحداء و غيره أيضا من هذا القبيل، و فيه ما عرفت من أنّها ليست
كلّ صوت حسن، بل صوت خاصّ.
و أمّا ما استدلّ له من استقرار سيرة أهل الشرع عليه، أو كونه معينا على
البكاء و شبهه غير ثابت، أو غير كاف، أمّا السيرة فلعدم اتّصالها بزمان المعصوم، و
أمّا الإعانة على البكاء فلعدم جواز التوصّل بالحرام إلى أمر مستحبّ كما هو واضح،
فالحقّ خروجه عنه موضوعا، و لو كان من ألحان أهل الفسوق لم يجز في المراثي قطعا.
خامسها: في قراءة القرآن
و قد حكى عن مشهور المتأخّرين نسبة استثناء الغناء فيه إلى صاحب الكفاية أيضا،
و لكن الظاهر من كلامه أنّه أخذ الغناء بمعنى وسيع يشمل كلّ صوت حسن فيه تحزين و
ترجيع، و لكن قد عرفت أنّ معناه أخصّ من ذلك، فليس مجرّد، هذه الامور بغناء ما لم
يكن الصوت مناسبا لمجالس أهل الفسوق و العصيان.
و على كلّ حال ما دلّ على استحباب حسن الصوت في القرآن و ما ورد في شأن علي بن
الحسين عليهما السّلام لا يدلّ على جواز الغناء فيه و لو بإطلاقه، بل هو عليه
السّلام خارج عن موضوع الغناء، فلا تصل النوبة إلى معارضتها بأدلّة حرمة الغناء
حتّى يتكلّم في النسبة بينهما، و لو فرض التعارض بينهما، فلا شكّ في تقديم أدلّة
حرمة الغناء لأنّها أقوى، و لأنّها من قبيل ما فيه الاقتضاء في مقابل ما لا اقتضاء
فيه.
و يدلّ على ما ذكرنا أيضا ما ورد من النهي عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق
و اتّخاذه مزامير [1].
[1]. راجع الأحاديث 18/ 99 و 27/ 99،
من أبواب ما يكتسب به و 1/ 24 من أبواب قراءة القرآن التي مرّت عليك سابقا.