يا ليت شعري أ كما أخبروا * * * بأن عباسا قطيع اليمين [2]
التهاب نيران الأحزان بذكر رثاء فاطمة (عليها السلام) لأبيها سيد الانس و الجان
أقول: إني لما ذكرت رثاء أم البنين رأيت أن أذكر ما رثت به فاطمة (عليها السلام) أباها بعد أن نذكر نبذا من حزنها و بكائها.
اعلم أنه لما قبض رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) صارت المدينة ضجة واحدة فلم يكن الا باك و باكية و نادب و نادبة، و عظم رزؤه على أهل بيته الطيبين سيما علي ابن عمه و أخيه أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فنزل به من وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) ما لم يكن يظن الجبال لو حملته كانت تنهض به، و لم يكن في أهل بيته أشد حزنا من سيدتنا المظلومة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، فقد دخل عليها من الحزن ما لم يعلمه الا اللّه عز و جل، و كان حزنها يتجدد و بكاؤها يشتد فلا يهدأ لها أنين و لا يسكن منها الحنين، و كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول.
فقالت ذات يوم: إني اشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي بالأذان، فبلغ ذلك بلالا، و كان امتنع من الأذان بعد النبي (صلى الله عليه و آله)، فأخذ في الأذان فلما قال «اللّه أكبر اللّه أكبر» ذكرت (عليها السلام) أباها و أيامه فلم تتمالك من البكاء فلما بلغ إلى قوله «أشهد أن محمدا رسول اللّه» شهقت فاطمة (صلوات الله عليها) و سقطت لوجهها و غشي عليها، فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة رسول اللّه الدنيا، و ظنوا أنها قد ماتت، فقطع أذانه و لم يتمه، فأفاقت فاطمة (عليها السلام) فسألته أن يتم الأذان فلم يفعل و قال لها: يا سيدة النسوان إني أخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك [3].
[1] خرصان جمع خرص أي السنان و أشلاء جمع شلو اي العضو و الجسد من كل شيء «منه».