و القسم الثاني: أن يكون المكلّف واحدا، و ينقسم إلى قسمين: أحدهما:
أن لا يتميّز له أحد الفعلين من الآخر، بأن تكون الصّورة واحدة، و الوجه واحدا، فلا يجوز أن يأمره تعالى بأحدهما، و ينهاه عن الآخر مع فقد التمييز، فأمّا إذا تميّز له أحدهما من الآخر؛ حسن الأمر و النهي بحسب الحسن و القبح.
[الخامس]: فصل في الدلالة على جواز نسخ الشرائع
اعلم أنّه لا خلاف بين المسلمين في هذه المسألة، و إنّما الخلاف فيها مع اليهود. و لا معنى للكلام على اليهود في أبواب أصول الفقه، و قد تكلّمنا عليهم في كتابنا المعروف بالذّخيرة [1] و غيره بما فيه كفاية. و من شذّ من جملة المسلمين فخالف في هذه المسألة؛ فإنّما خلافه يرجع إلى عبارة، و لا مضايقة في العبارات مع سلامة المعاني. و قد ورد في الشرع من نسخ القبلة بالقبلة و العدّة بالعدّة ما هو واضح. و إذا كان الشرع تابعا للمصلحة فلا بدّ مع تغيّرها من النسخ.
[السادس]: فصل في دخول النسخ في الأخبار
اعلم أنّ النسخ إذا دخل في الأمر و النهي، فإنّما هو على الحقيقة داخل على مقتضاهما، و متناولهما، لا عليهما أنفسهما. و الخبر في هذا الحكم كالأمر و النهي؛ لأنّ مقتضاه كمقتضاهما. و إذا كان جواز النسخ في فعل المكلّف إنّما يصحّ لأمر يرجع إلى تغيّر أحوال الفعل في المصلحة، لا لأمر يرجع إلى صفة الدليل، فلا فرق-إذا تغيرت المصلحة-بين أن يدلّ على ذلك من حالها بما هو خبر، أو أمر، أو نهى، و قد بيّنّا أنّ قول القائل: «افعل» كقوله: «أريد منك