و لمّا كان التّمييز بالصّفات فيمن لا يقطع يطول؛ لأنّ من لا يقطع من السرّاق أكثر ممّن يقطع؛ فميّز بصفات من يقطع، طلبا للاختصار.
و إذا كنّا قد اتّفقنا على أنّه لو ميّز باستثناء الأعيان؛ لصحّ التعلّق بالظّاهر فيما بقي، و كذلك إذا ميّز بذكر صفات من لا يقطع، حتّى يقول: «اقطعوا السرّاق إلاّ من صفته كذا» ؛ فكذلك يجب أن يتعلّق بظاهر ما بقي متى ميّز باستثناء من يقطع؛ لأنّ هذا التّمييز إنّما اعتمد لإخراج من لا يقطع و إبانته، و إنّما عدل إليه للاختصار.
فإن قيل: ميّزوا بين المجاز الّذي لا يصحّ التعلّق بظاهره، و بين المجاز الّذي يجب التعلّق بظاهره.
قلنا: أمّا مثال المجاز الّذي لا يصحّ التعلّق بظاهر العموم معه، فهو ان يقول: «اضرب القوم، و إنّما أردت بعضهم» أو يقول: «و إنّما أردت المجاز، دون الحقيقة» و مثاله قوله تعالى: إِنَّ بَعْضَ اَلظَّنِّ إِثْمٌ[1] . و أمّا المجاز الّذي لا يمنع من التعلّق بالظاهر، فهو أن يقول القائل: ضربت القوم، و ينصب دليلا أو يعلم من حاله أنّه ما ضرب واحدا معيّنا منهم؛ فإنّ اللّفظ يصير مجازا لا محالة، لكنّه لا يمنع من التعلّق بالظاهر فيمن عدا من قام الدليل على تخصيصه.
و هذه الجملة يطّلع بها على جميع ما يحتاج إليه في هذا الباب [2] .
[الخامس]: فصل في هل يجب أن يكون البيان كالمجمل في القوّة و غيرها، أو لا يجب ذلك
فقال قوم: يجب أن يكون البيان في رتبة المبيّن، و طريقة العلم به. و قال قوم يجب في أصول صفاته و شروطه أن يكون كذلك، دون التفصيل. و منهم من وقّف ذلك على الدليل، و يجوز أن يكون البيان بخبر الواحد و القياس.