[التاسع]: فصل في ذكر مخصصات العموم المنفصلات الموجبة للعلم
اعلم أنّ تخصيص العموم بكلّ دليل أوجب العلم من عقل و كتاب و سنّة مقطوع عليها و إجماع لا شبهة فيه، و لا خلاف من محقّق في مثله؛ لأنّ الدليل القاطع إذا دلّ على ضدّ حكم العامّ لم يجز تناقض الأدلّة، فلا بدّ من سلامة الدليلين، و لا يسلمان إلاّ بتخصيص ظاهر العموم.
فإن قيل: لم كنتم بأن تخصوا العموم بدليل العقل أولى ممّن خصّ دليل العقل بالعموم.
قلنا: دليل العقل لا يدخله الاحتمال و الحقيقة و المجاز، و العموم يصحّ فيه كلّ ذلك، فلهذا خصصنا العموم بالعقل.
فإن قيل: دليل العقل يجب تقدّمه على العموم، فكيف يخصّ به، و لو جاز تخصيصه به، لجاز نسخه.
قلنا: دليل العقل ليس بمخصّص على الحقيقة، و إنّما هو دالّ على المخصّص، و المؤثّر في الحقيقة هو قصد المخاطب، و الدليل يجوز تقديمه على المدلول؛ لأنّه ليس بمؤثّر.
على أنّ دليل العقل كما يتقدّم، فهو مصاحب، فلو كان مؤثّرا، لكان مصاحبا.
و أمّا النّسخ بدليل العقل، فغير ممتنع في المعنى؛ لأنّ سقوط فرض القيام في الصلاة بالزّمانة كسقوطه بالنّهي، فمعنى النسخ حاصل، و إن لم يطلق الاسم.
و أمّا تخصيص الكتاب بالكتاب، فلا شبهة في جوازه، و من خالف في ذلك من أهل الظّاهر و سمّى التخصيص بيانا إنّما هو مخالف في العبارة.
و أمّا تخصيصه بالسنّة، فلا خلاف فيه، و قد وقع كثير منه؛ لأنّه تعالى قال:
يُوصِيكُمُ اَللََّهُ فِي أَوْلاََدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ و خصّص عموم هذا الظّاهر