سيف، و اعتمّ، و تقلّد السيف. فقال الّذين يلحّون: يا رسول اللّه، ما كان لنا أن نخالفك، فاصنع ما بدا لك، فقال: «قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، و لا ينبغي لنبيّ إذا لبس لامته أن يضعها حتّى يحكم اللّه بينه و بين أعدائه، انظروا ما أمرتكم به فاتّبعوه، امضوا على اسم اللّه فلكم النّصر ما صبرتم» .
لعلّ الحكمة في استجابة رسول اللّه (ص) لإلحاح أصحابه في الخروج أنّه لو لم يستجب لهم الرسول لأثّر في أنفسهم تأثيرا سيّئا، و أولد فيهم الضعف و الاستكانة بدل الإقدام و الشجاعة، أمّا عدم استجابته لهم بعد أن طابقوا رأيه فقد ذكر هو (ص) حكمته.
مثال آخر من عمل الرسول برأي أصحابه فيما أشاروا عليه: قصّة جرت في غزوة الخندق نوردها في ما يأتي:
ج-غزوة الخندق
روى الواقدي و المقريزي عن بدء غزوة الخندق و قالا:
«و شاورهم رسول اللّه (ص) . و كان رسول اللّه يكثر مشاورتهم في الحرب... فأشار عليهم سلمان بحفر الخندق» .
و أخبرا كذلك عن مشاورة أخرى في آخر أيام القتال و قالا:
و أقام (ص) و أصحابه محصورين بضع عشرة ليلة حتّى اشتدّ الكرب، و قال (ص) : «اللّهم إنّي أنشدك عهدك و وعدك؛ اللّهم إنّك إن تشأ لا تعبد» . و أرسل إلى عيينة بن حصن، و الحارث بن عوف-و هما رئيسا غطفان-أن يجعل لهما ثلث ثمر المدينة و يرجعا بمن معهما، فطلبا نصف الثّمر فأبى عليهم إلاّ الثّلث، فرضيا. و جاءا في عشرة من قومهما حتّى تقارب الأمر، و أحضرت الصّحيفة و الدّواة ليكتب عثمان بن عفّان (رض) الصّلح -و عبّاد بن بشر قائم على رأس رسول اللّه (ص) مقنّع في الحديد-، فأقبل أسيد بن حضير، و عيينة مادّ رجليه فقال له: يا عين الهجرس، اقبض