أصدر هذا النوع بما أورده عنه ((عليه السلام)) عبد اللّه بن عباس (رض) فإنه نقل عنه أنه قال: ما انتفعت بكلام بعد رسول اللّه ((صلى اللّه عليه و آله و سلم)) كانتفاعي بكتاب كتبه إليّ علي بن أبي طالب ((عليه السلام))، فإنه كتب إليّ: أما بعد، فإن المرء يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه و يسره درك ما لم يكن ليفوته، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك و ليكن اسفك على ما نالك منها و ما نلت من دنياك فلا تكن به فرحا و ما فاتك منها فلا تأس عليه حزنا و ليكن همك فيما فاتك بعد الموت، و السلام.
و قال ((عليه السلام)) لجماعة: خذوا عني هذه الكلمات فلو ركبتم المطى حتى تنضوه ما أصبتم مثلها، لا يرجون عبد إلا ربه و لا يخافن إلا ذنبه و لا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم و لا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، و اعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد و لا خير في جسد لا رأس له فاصبروا على ما كلفتموه رجاء ما وعدتموه.
و قال ((عليه السلام)): الشيء شيئان؛ شيء قصر عني لم ارزقه فيما مضى و لا أرجوه فيما بقى، و شيء لا أناله دون وقته لو استعنت عليه بقوة أهل السماوات و الأرض فما أعجب أمر هذا الإنسان، يسره درك ما لم يكن ليفوته و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، و لو أنه فكر لأبصر و لعلم أنه مدبر و اقتصر على ما تيسر، و لم يتعرض لما تعسر و استراح قلبه مما استوعر، فبأي هذين افني عمري فكونوا أقل ما تكونون في الباطن أحوالا أحسن مما تكونون في الظاهر أحوالا، فإن اللّه (تعالى) أدب عباده المؤمنين أدبا حسنا فقال جل من قائل: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً.
و قال ((عليه السلام)): لا تكون غنيا حتى تكون عفيفا و لا تكون