نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع جلد : 1 صفحه : 79
و أضراها، فلمّا رأى الرّجل أنّ الذئب قاصد نحوه خاف منه و نظر يمينا و شمالا ليجد موضعا يتحرّز [1] فيه من الذئب فلم ير إلاّ قرية خلف واد فذهب مسرعا نحو القرية، فلمّا أتى الوادي لم ير عليه قنطرة و رأى الذّئب قد أدركه فألقى نفسه في الماء و هو لا يحسن السّباحة و كاد أن يغرق لو لا أن بصر به قوم من أهل القرية فتواقعوا لإخراجه فأخرجوه و قد أشرف على الهلاك، فلمّا حصل الرّجل عندهم و أمن على نفسه من غائلة الذّئب على عدوة [2] الوادي شاهد بيتا مفردا فقال: «أدخل هذا البيت فأستريح فيه» ، فلمّا دخله وجد جماعة من اللّصوص قد قطعوا الطّريق على رجل من التّجّار و هم يقتسمون ماله و يريدون قتله، فلمّا رأى الرّجل ذلك خاف على نفسه و مضى نحو القرية فأسند ظهره إلى حائط من حيطانها ليستريح ممّا حلّ به من الهول و الإعياء [3] إذ سقط عليه الحائط فمات.
قال الرّجل: صدقت قد بلغني هذا الحديث، و أمّا الثّور فإنّه خلص من مكانه و انبعث فلم يزل في مرج مخصب كثير الماء و الكلإ [4] فلما سمن و أمن جعل يخور [5] و يرفع صوته بالخوار، و كان قريبا منه أجمة [6] فيها أسد عظيم و هو ملك تلك النّاحية و معه سباع كثيرة و ذئاب و بنات آوى [7] و ثعالب و فهود و نمور، و كان هذا الأسد منفردا برأيه غير آخذ برأي أحد من أصحابه، فلمّا سمع خوار الثّور خامره [8] منه هيبة لأنه لم يكن رأى ثورا قطّ و لا سمع خواره، لأنه كان مقيما مكانه لا يبرح و لا ينشط [9] بل يؤتى برزقه كلّ يوم على يد جنده، و كان فيمن معه من السّباع ابنا آوى، يقال لأحدهما كليلة و الآخر دمنة و كانا ذوي دهاء و علم و أدب.