responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع    جلد : 1  صفحه : 54

و كان أيضا كالرّجل الذي طلب علم الفصيح من كلام الناس فأتى صديقا له من العلماء له علم بالفصاحة فأعلمه حاجته إلى علم الفصيح، فرسم له صديقه في صحيفة صفراء فصيح الكلام و تصاريفه و وجوهه، فانصرف إلى منزله فجعل يكثر قراءتها و لا يقف على معانيها، ثم إنه جلس ذات يوم في محفل من أهل العلم و الأدب، فأخذ في محاورتهم فجرت له كلمة أخطأ فيها فقال له بعض الجماعة: إنّك قد أخطات و الوجه غير ما تكلّمت به، فقال: كيف أخطئ و قد قرأت الصّحيفة الصّفراء و هي في منزلي. فكانت مقالته لهم أوجب للحجّة عليه و زاده ذلك قربا من الجهل و بعدا من الأدب.

ثم إنّ العاقل إذا فهم هذا الكتاب و بلغ نهاية علمه فيه ينبغي له أن يعمل بما علم منه لينتفع به و يجعله مثالا لا يحيد عنه، فإذا لم يفعل ذلك كان مثله كالرّجل الذي زعموا أنّ سارقا تسوّر عليه‌ [1] و هو نائم في منزله فعلم به فقال: و اللّه لأسكتنّ حتّى أنظر ما ذا يصنع و لا أذعره‌ [2] و لا أعلمه أني قد علمت به، فإذا بلغ مراده قمت إليه فنغّصت ذلك عليه، ثمّ إنّه أمسك عنه و جعل السّارق يتردّد و طال تردّده في جمعه ما يجده فغلب الرّجل النعاس فنام و فرغ اللّصّ ممّا أراد و أمكنه الذّهاب و استيقظ الرّجل فوجد اللصّ قد أخذ المتاع‌ [3] و فاز به، فأقبل على نفسه يلومها و عرف أنه لم ينتفع بعلمه باللّصّ إذ لم يستعمل في أمره ما يجب.

و قد يقال إنّ العلم لا يتمّ إلا بالعمل و إنّ العلم كالشّجرة و العمل به كالثّمرة، و إنما صاحب العلم يقوم بالعمل لينتفع به و إن لم يستعمل ما يعلم لا يسمّى عالما، و لو أنّ رجلا كان عالما بطريق مخوف ثم سلكه على علم به سمّي جاهلا، و لعلّه إن حاسب


[1] تسور الحائط: تسلقه أي دخل المنزل من فوق الحائط.

[2] أذعره: أفزعه.

[3] المتاع: كل ما ينتفع به في البيت من طعام و لباس و أثاث.

نام کتاب : كليلة و دمنة نویسنده : ابن المقفع    جلد : 1  صفحه : 54
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست