و قد تطورت الحالة و المحنة الى حد التفسيق و التكفير فذهب القوم الى نجاسة من يروي منقبة أو فضيلة في فضل الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، و مقابلته بالجرح و القدح، و هذه الطامة لا شك انها من صنع النواصب التي رسوها بين اهل الحديث ليتوصلوا بها الى إبطال كل ما ورد في فضل علي (عليه السلام)، و ذلك انهم جعلوا آية تشيع الراوي و علامة بدعته هو روايته فضائل علي (عليه السلام) ثم قرروا ان كل ما يرويه المبتدع مما فيه تأييد لبدعته فهو مردود و لو كان من الثقات فينتج من هذا ان لا يصح في فضله (عليه السلام) حديث.
و قد راجت هذه الدسيسة على اكثر النقاد فجعلوا يثبتون التشيع برواية الفضائل، و يجرحون راويها بفسق التشيع، ثم يروون من حديثه ما كان في الفضائل و يقبلون منه ما سوى ذلك، و لعمري انها لدسيسة إبليسية و مكيدة شيطانية كاد ينسد بها باب الصحيح من فضل العترة النبوية لو لا حكم اللّه النافذ و اللّه غالب على أمره [17].
و قد اشار الامام احمد الى نحو هذا إذ سأله ابنه عبد اللّه عن علي و معاوية فقال: اعلم ان عليا كان كثير الاعداء ففتش له اعداؤه شيئا فلم يجدوه فجاءوا الى رجل قد حاربه و قاتله فأطروه كيدا منهم له [18].
ثم ان القوم اتهموه بالتشيع شأنه سائر الحفاظ و أئمة الحديث و أهملوه الى النهاية و لم يترجموا له في كتب السير و معاجم التراجم لدبره و فضوله، لذلك لم نكن لنعرف عن حياته بعض الشيء و مراحلها الثقافية و الفكرية التي اجتازها و آثاره و مؤلفاته الجديرة بالتقدير و الاعجاب.