أ أخدعه و الخدع منّي سجيّة * * * أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق (1)
أم اقعد في بيتي و في ذاك راحة * * * لشيخ يخاف الموت في كلّ شارق (2)
فلمّا أصبح دعا مولاه وردان و كان عاقلا، فشاوره في ذلك فقال وردان: إنّ مع علي آخرة و لا دنيا معه، و هي التي تبقى لك و تبقى فيها، و إنّ مع معاوية دنيا و لا آخرة معه و هي التي لا تبقى على أحد فاختر ما شئت، فتبسّم عمرو و قال:
يا قاتل اللّه وردانا و فطنته * * * لقد أصاب الذي في القلب وردان
لمّا تعرّضت الدنيا عرضت لها * * * بحرص نفسى و في الأطباع أدهان
نفس تعف و أخرى الحرص يغلبها * * * و المرء يأكل نتنا و هو غرثان (3)
أمّا علي فدين ليس يشركه * * * دنيا و ذاك له دنيا و سلطان
فاخترت من طمعي دنيا على بصر * * * و ما معي بالذي أختار برهان
إنّي لأعرف ما فيها و أبصره * * * و فيّ أيضا لما أهواه ألوان
لكنّ نفسي تحبّ العيش في شرف * * * و ليس يرض بذل العيش إنسان
ثمّ إنّ عمروا رحل إلى معاوية فمنعه ابنه عبد اللّه و وردان فلم يمتنع، فلمّا بلغ مفرق الطريقين الشام و العراق قال له وردان: طريق العراق الآخرة، و طريق الشام طريق الدنيا فأيّهما تسلك؟ قال: طريق الشام.
قلت: لا يغني عبد اللّه و وردان و قد قاده إلى جهنّم الشيطان، و باع حظّه من الآخرة، و شهد عليه ما جرى على لفظه فأحلّه في الساحرة،
و كان من جملة آثاره المذمومة و أفعاله المشؤمة رفع المصاحف التي خرج بها الخوارج فتنكّبوا بها عن الصراط المستقيم، و أخذوا على أمير المؤمنين الرضا بالتحكيم، و انقادوا إلى امتثال أمر الشيطان الرجيم، و هناك نجم أمر الخوارج فأساءوا في التأويل، ففارقوا الحق و تنكّبوا سواء السبيل، و عملوا بآرائهم المدخولة، فتنوّعت لهم فنون الضلالات و الأباطيل، و سأذكر كيفيّة أمر هم و حالهم و ما جرى عليهم جزاء كفرهم و ضلالهم، و ما أباحه اللّه